فقال صائب وهو يظهر الاهتمام: «نعم، إن رامزا صديقي لكني أقول الحق، وأنا أعرف أخلاقه فإنه مغرور.» ثم حول خطابه إلى رامز وقال: «أليس كذلك؟»
فهز رأسه بأنفة ورفعة وقال: «لا.»
فقال ناظم لصائب: «إن هؤلاء الغلمان المتهورين الخارجين على جلالة السلطان ينبغي أن نجتث أرومتهم، ونعلمهم كيف تكون عاقبة الخائنين.»
وهم أن يأمر بأخذ رامز إلى السجن، فوقف صائب وأظهر أنه يبذل وسعه في الدفاع عن صديقه رامز، وقال: «تمهل يا سيدي، إني أعرف رامزا من الصغر، وكنا معا في المدرسة. إنه مغتر، ومن غروره إنكاره ذلك بين يديك.»
ثم تحول نحو رامز وقال: «لا يغرنك الغلمان الذين يزعمون أنهم ينصرون الحرية فإنهم إنما يطلبون وظيفة، ومتى حصلوا عليها تركوك في الخطر ، وقد سبق أن خدعوا كثيرين من أمثالك ثم رجعوا إلى صوابهم ونالوا رضى الذات الشاهانية وتنعموا بخيراتها. والمطلوب أن نعرف الأشرار الأصليين الذين يحركون هذه الشرور، وهم قليلون وأكثر الذين معهم مغشوشون مثلك. فأنت الآن إذا دللتنا على رؤساء هذه العصابة التي تسمي نفسها جمعية الاتحاد والترقي أو دللتنا على محل اجتماعها فقط؛ فأنا كفيل بإطلاق سراحك، وأحفظ هذه المحفظة بما فيها من الأوراق، وأضمن لك مكافأة عظيمة بالرتب السنية والرواتب العلية.» ثم بلع ريقه وتشاغل لحظة ليرى ما يبدو في أثنائها من رامز، فلما وجده ساكتا مطرقا خيل له قرب قبوله، فعاد إلى الكلام فقال: «واعلم أنه لا يمكن أن يعجزنا الوصول إلى سر هذه العصابة ومكانها من أحد أعضائها، فلا بد من أن يعضهم الجوع ويتعبوا من مناطحة الصخر فيرجعوا إلى مراضاة مولاهم ومولانا جلالة أمير المؤمنين، كما فعل الذين سبقوهم في باريس وجنيف ومصر وغيرهم، ولا بد أن ينال المكافأة الكبرى من يبلغ خبر هذه الجمعية، ويقع الغضب على الباقين. فكن أنت ذلك المبلغ ونحن نوافقك على إخراج من شئت من الأعضاء الذين تعتقد أنهم مخدوعون مثلك. يكفي أن تخبرنا عن المكان الذي يجتمع فيه أولئك العصاة الخوارج.»
وكان ناظم بك يسمع كلام صائب وعيناه تراعي رامزا وما يبدو منه، واستبشر حين طال سكوته. فلما فرغ صائب من كلامه رفع رامز بصره إليه وقال: «إن عزة النفس والحرية الشخصية وشرف القول ألفاظ لا معنى لها عندك ولا تقدر أن تتصورها، فالكلام معك عبث. أنا لست مغرورا، وليس رفاقي مغرورين، وإنما المغرورون أنتم الذين تبيعون وطنكم وتسوقون أهله إلى الخراب طمعا في المال. فإذا كان عندك كلام مفيد غير هذا فقل وإلا فافعلوا بي ما تشاءون.»
فرجع صائب وهو يهز رأسه استغرابا وجلس على كرسيه، وتناول ناظم بك الكلام قائلا: «إن صائبا أخلص لك النصح ... فكيف تخاطبه بهذا الأسلوب؟ إن غاية ما يطلب منا أن نرسلك مغلولا إلى الأستانة مع هذه الأوراق، وأنت تعلم مصيرك. لكن صائبا بك أراد أن ينجيك، فعرض عليك هذا الأمر فأجبته بكلام قبيح تستوجب عليه القصاص.»
قال: «لا حاجة لي بنصحه فافعل ما تشاء.»
قال: «خذوه إلى السجن.»
فمشى رامز بقدم ثابتة وهو لا يبالي. وبعد انصرافه اتفق صائب وناظم على إرسال تلغراف إلى القصر بخبر القبض على أحد أعضاء الجمعية وضبط أوراقه، والسؤال عما يجب أن يفعلوا به.
صفحه نامشخص