قضت معظم الليل في الهواجس وما طلع النهار حتى أخذت تنتظر مجيء رامز، وقد سرها خروج أبيها مبكرا ليحلو لهما الاجتماع، ولم يكن وجود والدتها يعكر عليها صفو ذلك الاجتماع لأنها كانت مستودع أسرارها، وهي تحب رامزا حبا كثيرا وتعده بمنزلة شيرين لأنه ابن أختها.
ودقت الساعة العاشرة ولم يأت رامز، فزادت دقات قلب شيرين، وصارت تنتقل من النافذة إلى الشارع، ومن الباب إلى الدهليز، ثم تعود فتقعد، فإذا سمعت مشيا نهضت تظن رامزا قادما مع أنها تعرف خطواته دون خطى سائر الناس، ولكن القلق أذهب رشدها. فلما دقت الساعة الحادية عشرة ذهبت إلى والدتها، وكانت تساعد خادمتها في شئون المطبخ ليكون الطعام حاضرا في الظهر، وإلا غضب زوجها وأسمعها كلاما فظا. فلما رأت شيرين داخلة بادرتها قائلة: «هل أتى رامز؟»
فكان لهذا السؤال وقع شديد انفجرت له عواطفها فقالت: «لا، لم يأت»، وغصت بريقها.
فاستغربت توحيدة اضطرابها وقالت: «لم يفت الوقت، إن الظهر لا يزال بعيدا، لا تقلقي.»
قالت: «أعلم ذلك، ولكن ...» وسمعت حركة في الدار فأصغت فإذا هي خطى أبيها، فأملت أن يكون رامز معه، فخرجت لملاقاته فوجدت أباها وحده داخلا يتمايل عجبا بقوته وقد زادته مواعيد صائب بالرتب إعجابا بنفسه، فلما أقبل على شيرين حيته فرد التحية وابتدرها قائلا: «ألم يحضر الغداء؟ أين والدتك؟»
قالت: «هي في المطبخ تعده.» وهمت أن تسأله عن رامز فغلب عليها الحياء، فذهبت إلى والدتها وحرضتها على سؤاله.
فخرجت توحيدة من المطبخ وهي تجفف يديها بمئزرها وتصلح ذيل ردائها، وتأمر الخادم أن يهيئ المائدة لأن الطعام قد أعد، لعلمها أن ذلك يشرح صدر زوجها، فقابلها ضاحكا فقالت: «ألم يأت رامز معك للغداء؟»
قال: «لم أره اليوم.»
قالت: «دعوته أمس للغداء معنا، وها هي ذي الساعة قد دقت الثانية عشرة ولم يأت!»
قال: «لعله استغرق في النوم وبعد قليل يأتي، لا تخافي.»
صفحه نامشخص