ولم يصل إلى غرفته في الفندق حتى كان رأيه قد استقر على التنكيل برامز، فأخذ يخلع ثيابه وهو يحدث نفسه قائلا: «أراها تستخف بي، وما علمت أني قادر أن أحرمها من ذلك الشاب المغرور الذي يعد نفسه من الأحرار. إنه يحسب أمره مجهولا وفاته أني أعلم الناس به، وأني أقدر بكلمة أخطها على أن ألحقه بقاع البوسفور، أليس عضوا في الجمعية السرية الناقمة على السلطان؟ ماذا يكون شأنه لو رفعت ذلك إلى أولي الأمر؟ إني فاعل الساعة.»
وكان قد فرغ من تبديل ثيابه، فتناول قرطاسا وقلما وأخذ يكتب تقريرا عن رامز وأعماله ضد الحكومة، وأنه من أعداء الذات الشاهانية. وقضى الليلة في كتابة ذلك التقرير، ثم خرج في الصباح مبكرا فقصد إلى ناظم بك ذي العلاقة المتينة بالقصر وقال له: «قد كشفت للذات الشاهانية عن شاب عنده كل أسرار الجمعية، وهذا تقريري الذي كتبته في هذا الشأن، فأطلب إليك باسم جلالة البادشاه أن تقبض عليه وتحبسه وتبعث إلى القصر بخبره تلغرافيا، وهذه صورة التلغراف: عثر صائب بك على أحد كبار أعضاء الجمعية الجهنمية، وقد قبضنا عليه وننتظر الأمر في شأنه ...»
فبعث ناظم بك إلى سامي بك رئيس البوليس ليقبض على رامز ويضبط أوراقه حالا، وأرشده إلى منزله، وبعث صائب بك بتقريره مسجلا إلى القصر.
وكان رامز قد قضى ليله في كتابة المقالة المشار إليها، وتأخر في الفراش فما شعر إلا والبوليس يحيط بمنزله، فأيقظوه ودخلوا الغرفة وقبضوا عليه وعلى خادمه، وجمعوا ما عنده من الأوراق فجعلوها في ظرف كبير وختموها وقادوه إلى القصر وحجزوه فيه، فتأكد رامز أنها فعلة صائب فلم ير بدا من الصبر.
أما صائب فكان على موعد مع طهماز في ذلك الصباح في أحد المقاهي، فذهب في الوقت المعين كأنه لم يفعل شيئا، فوجد طهماز في انتظاره، فقال له: «كيف فارقت رامزا؟»
فهز رأسه وقال: «فارقناه بعد ذهابك بقليل.»
فأصلح صائب نظارته على عينيه، وحك لحيته، ثم أخذ يلاعب عصاه بيده، وقال: «إنه شاب لطيف، لكنه كثير الغرور بنفسه، فعسى ألا يجر غروره ضررا عليه أو عليكم، لأن الجاهل عدو نفسه. وقد كنت ولا أزال راغبا في مساعدته إكراما لبيتكم، لأنه ينتسب إليكم على ما أظن.»
قال: «نعم، هو ابن أخت توحيدة، ولكنه كما قلت طائش.»
قال: «إذا كان طيشه يقتصر على ضرر نفسه فذلك هين.»
قال طهماز: «وما الذي يهمنا منه؟»
صفحه نامشخص