فاكتفت القادين بهذا التصريح إذ تحققت أن سر الجمعية عند شيرين، وعزمت على اتخاذ الوسائل لحملها على التصريح به فيما بعد فقالت: «أراك تغالبين نفسك بين التصريح والكتمان، فأنا أتوسل إليك أن تكفي عن التصريح. وكأني أسمع لغطا في الدار، لعل الطبيب أتى.» قالت ذلك وخرجت ثم عادت مبغوتة وقالت: «لم يأت الطبيب لأنه تلقى أمرا بألا يدخل قصري اليوم، ولكنني سأبعث إليه أن يأتي متنكرا في هذا المساء.» قالت ذلك وخرجت. فأتت الخازنة لمسايرة شيرين، فتبادلتا الحديث في شئون مختلفة.
فلما أمسى المساء ذهب أهل القصر إلى منامهم، وظلت القادين ساهرة في غرفة شيرين، وبعثت الخازنة تترقب وصول الطبيب وتأتي به إليهما، فلما قرب نصف الليل أتت الخازنة تنبئها بقدومه، فأذنت في دخوله ووقفت لاستقباله بالباب فأطل وعليه لباس خدمة القصر، فاستقبلته مرحبة فانحنى احتراما وقال: «قد أتيت يا سيدتي طوعا لأمرك رغم الخطر الذي أخافه. فماذا تأمرين؟»
فأثنت على غيرته وقالت: «أنت تعلم ثقتي بمهارتك واعتقادي صدق علاجك، وعندي صديقة أصابها انحراف فأحببت أن تكون طبيبها.» قالت ذلك ودخلت، فتبعها وهو ينظر نحو السرير فرأى شيرين جالسة فيه فلم يتفرس فيها تأدبا، فسبقته القادين في مخاطبتها قائلة: «هذا طبيبنا وصديقنا، فأخبريه بشكواك ريثما أعود إليكما.» وخرجت.
فاستغرب الطبيب تخليها عنهما، وجلس على كرسي بجانب السرير، وسأل شيرين عما تشكوه فقالت: «إني أشكو من ألم شديد في الرأس .»
وكان يخاطبها وهو مطرق، فلما سمع جوابها أجفل لأنه تذكر صوتا يعرفه، فنظر إليها ونظرت إليه. وكان الطبيب في حدود الثلاثين من العمر، فلما وقع نظرها عليه اختلج قلبها في صدرها لأنه يشبه شخصا تعرفه في سلانيك كان صديقا لرامز، فجعل كل منهما ينظر إلى صاحبه، فسبقها هو إلى الكلام وإن سبقته هي إلى المعرفة لكنها خافت التصريح، فقال لها: «شيرين؟!»
قالت: «نعم، وأنت الدكتور «ن»؟!»
قال: «نعم، ما الذي جاء بك إلى هنا؟!» ووضع أصبعه على فمه إشارة إليها ألا ترفع صوتها.
قالت: «جئت لأفتش عن رامز.» وغلب عليها البكاء، ثم قالت وهي تشرق بريقها: «أين هو؟ وماذا تفعل أنت هنا؟»
قال بصوت منخفض: «أنا هنا في مهمة باسم إخواننا أستطلع لهم أخبار هذا الطاغية، وأما رامز ...» وسكت وهو يتردد كأنه يكتم شيئا يعرفه.
فخافت ذلك التردد وقالت وقد شخصت ببصرها فيه: «أين هو؟! ماذا أصابه؟! قل، قل بالله، قل ...!»
صفحه نامشخص