فهز رأسه وقال: «يا حبذا ذلك! كيف أرجو رجوعه بعد دخوله ذلك القصر الجهنمي، وقد مضت سنوات ونحن لم نسمع عنه خبرا؟ إن أحدا من الأحرار الذين دخلوا يلدز الملعونة لم يرجع منها حيا، وما أحسبه إلا أغرق في البوسفور كما أغرق مئات قبله، لكنني سأنتقم له.» قال ذلك وصر بأسنانه وكاد الدمع يتناثر من عينيه.
فأحبت شيرين أن تشغله عن ذلك فقالت: «سامحك الله يا رامز على هذه المقالة! إنها النار المستعرة.»
قال: «إنها أقل ما يستحقه أولئك القوم الأنذال. قد آن الوقت يا شيرين ولا تلبثين أن تري الدماء تجري أنهارا.»
فأجفلت شيرين عند سماع قوله وتصاعد الدم إلى وجنتيها، وقالت: «إني أتمنى أن يظهر الحق ويزهق الباطل دون أن تجري الدماء.»
قال: «وأنا أتمنى ذلك أيضا، ولكنهم لا يريدون الإذعان، وهذا ناظم بك (وخفض صوته) قائد جند هذه المدينة وصنيعة ذلك الطاغية وأحد ياورانه قد تلقى الأوامر بالتشديد في البحث عن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي، والقبض عليهم والتنكيل بهم بلا شفقة، لأن ظهور هذه الجمعية في سلانيك أدهشهم، وهم يبحثون عن زعمائها ليفتكوا بهم.»
فبغتت وتوردت وجنتاها، والتفتت إلى ما حولها كأنها تخشى أن تكون لتلك الشجرة آذان تسمعهم وتشي بهم وقالت: «صحيح؟! من قال لك ذلك؟»
قال: «جاءنا الخبر من جاسوس لنا في يلدز، وقد علمنا منه أن الرعب ملأ قلب عبد الحميد لما علم أن الضباط ينتظمون في هذه الجمعية المقدسة، وأيقن أن الجيش لا يلبث أن ينقلب عليه، فعمد إلى التنكيل بهم فاستقدم ناظم بك إليه ورفع رتبته وزاد راتبه وزوده بالأوامر المشددة للبحث عن رئيس الجمعية وأعضائها العاملين، ووعده بهبات جزيلة إذا هو استطاع كشفها.»
وهنا قالت له توحيدة والدة شيرين: «اسكت يا عزيزي، إن للشجر آذانا، وقاك الله كيد الكائدين!»
فقالت شيرين: «لله در أبيك! فلولاه لم تعمد الجمعية إلى هذه الخطة.»
قال: «بل لله در ذلك الثاوي في الطائف المقتول ظلما وعدوانا! إنها وصيته قبل موته أودعها أذن أبي فحملها إلى الأحرار، ولكن آه! أين أنت يا أبي؟! وأين بقية الوصية، لعلها تنفعنا اليوم؟»
صفحه نامشخص