انقلاب عثمانی
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
ژانرها
رب اغفر لي وهب لي ملكا (ص، الآية: 35) فجعلهم الله تعالى ملوكا، ولم يجعل في شرعنا إلا الخلفاء؛ فكان أبو بكر خليفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وإن لم يستخلفه نصا؛ لكن فهم الناس ذلك فهما، وأجمعوا على تسميته، ثم استخلف أبو بكر عمر، فخرج بها عن سبيل الملك الذي يرثه الولد عن الوالد إلى سبيل الخلافة الذي هو النظر والاختيار، ونص في عهده على ذلك، ثم اتفق أهل الشورى على عثمان، فإخراج عمر لها عن بنيه إلى الشورى دليل على أنها ليست ملكا، ثم تعين علي بعد ذلك إذ لم يبق مثله، فبايعه من آثر الحق على الهوى، واصطفى الآخرة على الدنيا، ثم الحسن كذلك، ثم كان معاوية أول من حول الخلافة ملكا، والخشونة لينا، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم، فجعلها ميراثا، فلما خرج بها عن وضعها لم يستقم ملك فيها، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - كان خليفة لا ملكا؛ لأن سليمان - رحمه الله - رغب عن بني أبيه إيثارا لحق المسلمين، ولئلا يتقلدها حيا وميتا، وكان يعلم اجتماع الناس عليه، فلم يسلك طريق الاستقامة بالناس قط إلا خليفة، وأما الملوك فعلى ما ذكرت إلا من قل، وغالب أفعاله غير مرضية ا.ه.
فيظهر لنا من هذا الكلام الفرق بين الخلافة والملك، والسبب الذي جعل ملوك الإفرنج مقدسين وغير مسئولين.
منبع الاستبداد قصر الملك والخلافة
إن منبع استبداد الدول الإسلامية في قديم الزمان وحديثه هو قصر الخلافة، ودار الملك والإمارة؛ حيث تكثر دسائس المقربين، ويشتد حرصهم على الجاه وطمعهم في الأموال وادخارها وفي إنفاذ الكلمة، ولذا ابتعد عنهم أهل التقوى والورع في جميع البلدان والأزمان، فالمقرب منهم لا يكاد يتم له الأمر إلا ويظهر له رقباء يشون به، وينصبون له أشراك المكيدة، ويتهمونه بأنواع التهم، وينسبون إليه كل الخلل في الدولة، حتى يبعدوه عن مركز الدولة، وربما تسببوا في مصادرته وقتله مع أولاده وعياله، كما جرى للبرامكة مع هارون الرشيد، فتاريخ الدول والإمارات الإسلامية كله وقائع برمكية، وقد ينتصر الوزير على الخليفة أو الأمير ويحجر عليه ويصير هو المستبد بالأمر، ونتيجة القضيتين واحدة وهي الاستبداد، وتغلب القوة على الحق، والأمة في جميع هذه الأحوال شاخصة ببصرها لا تطلع على خفايا السياسة وتدبير الملك، ولا دسائس المقربين وحيلهم لإخفائهم جميع ذلك عنها، واستبدادهم بالأمر عليها، ولقد أجاد لسان الدين بن الخطيب - وزير بني الأحمر - في الرسالة التي خاطب بها الوزير بن مرزوق ووصف بها أحوال خدمة الدولة ومصائرهم، وعبر فيها عن ذوق ووجدان، وهي أبلغ ما حرر في هذا الصدد، وقد ذكرها المقري في الجزء الثالث من «نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب»، فالمصلحون لم يتخلصوا من هذه الغوائل ولا وجدوا وقتا لإصلاح داخل الممالك وتحكيم سياستها الخارجية، ولذا انصرفت هممهم لجمع الأموال وادخارها، واغتنام فرصة التقرب ونيل التوجه واكتساب السعادة؛ لأن الواحد لا يدري إلى متى يدوم له التوجه والإقبال، فيسارع إلى الاستفادة من الحال التي أسعده الحظ بنيلها.
قصر السلطنة العثمانية وتربية ولي العهد والكامريلا
كان قصر السلطنة في الممالك العثمانية مرتبا على الأصول والتقاليد الموروثة عن المغول، فقد كانت الدولة عبارة عن خيمة كبيرة حكومتها بابها العالي، وأول وظيفة على هذه الحكومة إنزال الخان المعظم على الرحب والسعة، وإسكان من معه من الحريم والأسرة والأقارب والحاشية، واستكمال أسباب راحتهم وسعادتهم، واستحضار النفقات اللازمة لهم ولرؤساء «العرضى»؛ فالعمود الأوسط القائمة عليه هذه الخيمة هو «الصدر الأعظم» القائم مقام الخان المعظم؛ أي السلطان والحامل لختمه الذاتي والوكيل المطلق عنه في جميع مسائل الدولة الداخلية والخارجية، وبجانبه «قاضي عسكر» لفصل الدعاوى وتقسيم مواريث الجند والمحافظة على حقوق السلطنة، وشيخ الإسلام إنما هو «قاضي عسكر» وظيفته أحدث عهدا؛ فقضاء العسكر قديم في الدولة ومتقدم فيها على قضاء المدن، مما يدل على حياتها العسكرية المنتقلة، ثم «الدفتردار» الذي يقيد الأموال ويحرر الحساب وهو اليوم ناظر المالية، ثم «النيشانجي» الذي يكتب الإرادات والفرمانات وغيرها.
فهؤلاء أعمدة ثانوية حوالي العمود الأعظم الذي في وسط الخيمة، وأما حبال الخيمة فهي الأغوات.
ويقسم الأغوات - بحسب خدمتهم في الداخل أو في الخارج - إلى قسمين: فالقسم الأول هم خدمة الداخل المسمى «أندرون» من مماليك البيضان وطواشية السودان المحافظين على الحريم، وكبيرهم آغا دار السعادة، ويسمى أيضا آغا البنات «قيزلر آغاسي»، ثم آغا البستانيين «بستانجي باشي» المكلفين بزرع البساتين والجنان، وآغا الرسل الموصلين للأخبار، وآغا المحافظين على الأثواب والألبسة «أثوابجي باشي» و«القهوة جي باشي» و «الأبريقدار» و«السجادة جي باشي» ... إلخ.
صفحه نامشخص