انقلاب عثمانی
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
ژانرها
أتحييه وتقتلنا جميعا؟!
لعمرك إن ذا لهو البلاء
فلا والله ما هذا بعدل
ولكن أنت تفعل ما تشاء
واحتكروا أوقاف الجوامع ومزارعها، بل ضبطوها ضبطا بلا حكر، وباعوا امتيازات الأمور النافعة للأجانب؛ فأضروا الدولة بذلك أضرارا جمة، وشرهت نفوسهم للعجب، وتتلعت أعناقهم عظمة وكبرياء، وزاد الحرص والطمع حتى فقدوا جميع المزايا الإنسانية، فصار الواحد منهم كأنه وحش مفترس، ينقلب يوم سقوطه وإبعاده عن منصب الدولة شيطانا رجيما، كما ظهر من أفعال فهيم باشا وهو منفي إلى بروسه الذي أهلكه الأهالي فيها ضربا بعد إعلان الحرية.
كنا أشرنا إلى هذه الحالات المنكرة المكدرة، وإلى قرب حدوث الانقلاب في مقالة عنوانها «حكمة التاريخ»، نشرتها جريدة «طرابلس الشام» في عددها (517) الصادر في 15 تموز/يوليو سنة 1903 بعد أن بدل المراقب فيها وحرف كما أراد، ظنا منه أنها تخفى، وربما خفيت على فطنته ودقت على فهمه، ولكنها عندما بلغت الأستانة واطلع عليها الملدوغون، صدر الأمر بتعطيل الجريدة، فكاد بركان الاستياء تنفجر منه فوهات في عدة جهات؛ لأن بقاء الحال على ما ذكر غير ممكن في القرن العشرين، خصوصا وأن البلاد العثمانية متوسطة بين أوروبا والشرق الأوسط والأقصى، ومما زاد اختلاطنا بالعالم المتمدن تجديد السكك الحديدية وتوارد بواخر الشركات الأجنبية على ثغورنا، ومشاهدتنا صور السينماتوغراف وسماعنا أصوات الفونوغراف، وركوبنا الترام الكهربائي والحوافل والدراجات، كل ذلك كان من دواعي اختلاط الأمم وامتزاجها، وأصبحت المسافة بين الأستانة وباريس أقل من ستين ساعة بعد أن كانت تقطع في شهور وأعوام.
نمت النابتة الجديدة من الشبان المتعلمين في مدارس الدولة الملكية والعسكرية، أو في المدارس الأجنبية التي افتتحها الأوروبيون والأمريكيون في الشرق رغم منع الحكومة المسلمين من دخولها والتضييق عليهم وعلى أوليائهم في ذلك، أو في المدارس الخصوصية التي أسسها طوائف الروم والأرمن واليهود والبلغار، فتعلمت النابتة الجديدة من الشبان والبنات اللغات الأجنبية، وطالعوا الجرائد والكتب، ووقفوا على مواضع الضعف في الدولة، وأدركوا محل الخلل، وصار يتخرج في كل سنة في هذه المدارس عدد عظيم متشبعون بفكر الحرية، ومتخلقون بالأخلاق الأوروبية والحماسة الوطنية، فكانوا كلهم موضع شبهة أولئك الجهال المستبدين بالأمر، فضيقوا عليهم واضطهدوا هؤلاء الشبان اضطهادات كثيرة شتى؛ كالنفي والحبس والمراقبة وتدمير المنازل وتفتيش الأوراق، فكانوا كلهم عرضة لاستبداد المستبدين.
فلما حدث الانقلاب في 24 تموز/يوليو، وانفجر في سلانيك وما جاورها من الولايات بركان الاستياء؛ كان هؤلاء الشبان وجميع العثمانيين مساعدين ومعضدين لحزب تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي، ولذلك لم تحصل معارضة ولا مقاومة من أحد؛ لأن الجميع مستاءون حتى المستبدين أنفسهم والمستفيدين من الحال الماضية، والوزراء الذين أودعوا السجن واسترد منهم ما اغتصبوه من الأموال؛ لأن كلا منهم كان يتطلب أكثر مما ناله، ولو لم يحدث الانقلاب بالصورة التي ظهر فيها لحدث بصورة أخرى بعد تبدل السلطة، ولكان إذ ذاك مدهشا دمويا.
انفجار بركان الحرية وحدوث الانقلاب في 24 تموز
تسنى لجمعية «الاتحاد والترقي» العثمانية في سلانيك إخفاء أمرها مدة، ولكن رائحتها فاحت بعد ذلك لكثرة الداخلين وصعوبة الكتم والإخفاء، فأحس بها جواسيس سلانيك وبعثوا بتقاريرهم إلى المابين، فأرسلت الجواسيس من الأستانة، فقررت الجمعية إعدام الذين ثبت لديها تجسسهم وخيانتهم للوطن، وعينت فدائيين من أعضائها بالقرعة أو بالتراضي.
صفحه نامشخص