اتسعت عينا شاكر في دهشة: الذنب؟ - تأنيب ضمير مثلا يا شاكر. - ليه يا دكتور؟ - إنت عارف ليه. - مش فاهم يا دكتور. - حاول تفهم يا شاكر.
خيمة الأم
الهتافات تدوي من بعيد، والظلمة شديدة في ميدان التحرير، تهدمت بعض الخيام نتيجة هجمات البوليس، لم يبق إلا خيام قليلة صامدة في وجه العواصف، منها الخيمة الكبيرة التي يسمونها «خيمة الأم»، التي أصبحت ملجأ الشباب والشابات والأطفال الذين من دون مأوى، والأمهات كبيرات السن اللواتي خدمن الأسرة طوال العمر، ثم تثاءب الزوج العجوز قائلا: «أنت طالق.» فأصبحت الأم منهن في الشارع، واحتلت بيتها طفلة عروس تصغر زوجها بخمسين عاما.
يجلسون على الكليم والسجاجيد القديمة فوق الأسفلت، تحيط فؤادة ابنتها داليا وهنادي بذراعيها، تدفئهما في حضنها، كفت هنادي عن الأنين، خف عنها الألم ونهضت تتحدى القدر، صوت بدرية البحراوي يسري في أذنيها كحفيف هواء دافئ، لا شيء اسمه القدر والمصير، نحن نقرر مصيرنا بإرادتنا، تشرئب الآذان لسماعها، تتفتح عيون الأطفال والبنات والشباب من مختلف الأعمار والفئات، كان جلال أسعد جالسا مع بعض زملائه في الركن البعيد من الخيمة، تخفق العضلة تحت ضلوعه حين تلتقي عيناه عيني الفتاة الجالسة هناك التي لم يعرف اسمها، لأول مرة يلتقيها، يأتي إلى الخيمة كثيرون من الشباب والشابات الذين لا يعرف أحدهم الآخر.
تخلفت سعدية عن المجيء، كانت ترقد فوق منضدة في المشرحة أو في معسكر اعتقال في الجبل الأحمر، أو في مكان آخر لا يعلمه أحد.
صوت بدرية البحراوي يسري في الآذان والعيون المشرئبة: نحن نحقق أهداف الثورة بأنفسنا، ننتزعها بأيدينا، الحرية والعدالة والكرامة تؤخذ ولا تعطى.
تهب هنادي واقفة، تتدفق سخونة الدم في جسمها من الرأس إلى القدمين، تنزع عن كتفيها الشال الصوفي الأخضر، تمشي خارج الخيمة، تملأ صدرها بهواء الفجر، لا تشعر ببرودة الجو ولا تسمع طلقات الرصاص.
خرج وراءها جلال أسعد. - اسمك إيه؟ - هنادي. - اسمي جلال أسعد. - إنت في المعهد؟ - أيوه. - أمي سعدية القتالة تعرفها؟ - سعدية أعرفها، قتلت مين؟ - قتلت أبويا، ولدتني في السجن، واشتغلت أمي في البيوت عشان تدفع لي مصاريف الدراسة. - أمك عظيمة يا هنادي زي المرحومة أمي شالت حجر على ظهرها زي العبيد عشان أبقى إنسان حر، كنت أتمنى إنها تكون عايشة عشان أرد لها الجميل.
أطرق جلال أسعد وابتلع دموعه. - وأنا كنت حاموت في عميلة إجهاض. - عملية إجهاض؟ - أيوه. - عمرك كام يا هنادي؟ - ستاشر سنة.
مد يده وأمسك يدها: إنتي شجاعة يا هنادي. - كلام الأستاذة بيشجعني أكتر. - الأستاذة كاتبة عظيمة. - عشان كده اضطهدوها. - لكن الثورة قامت يا هنادي. - أنا خايفة يجهضوها. - ما فيش خوف بعد النهارده. - أيوه. - أنا معاكي يا هنادي. - وأنا معاك يا جلال.
صفحه نامشخص