بدا ماجد أحمد جميلا رشيقا جذابا إلى جانب أستاذها د. يوسف، لكن ماجد لم يكن قط فتى أحلامها، أهو غياب البريق في عينيه؟
ليس أي بريق، بل البريق الخاص الذي يهز أعماقها على نحو خفي؟
ترك لها أبوها حرية اختيار شريك حياتها بعد التخرج، لم تعرف لماذا تزوجت شاكر، ربما يئست من العثور على فتى أحلامها، أو أدركت أخيرا أنه غير موجود، ليلة الزفاف لم تهتز شعرة في جسدها؟
كان كيانها كله يهتز حين ينظر إلى عينيها جابور، مجرد النظر من بعيد من دون تلامس، كان الحزن الغامض يتسرب إلى أعماقها، يشبه الهزيمة، هزيمتها الخاصة في عمق جسدها، هزائم الوطن كانت سياسية عامة، تؤلمها عقليا، لا تترك جروحا غائرة في القلب أو الروح.
كانت أمها أقرب إليها من أبيها، تفضل الحياة في القرية في بيتهم القديم الذي يسمونه الدار، تكتب قصائدها في الليل وتنشرها أحيانا في مجلة الشعر، ذات يوم أحاط البوليس بالدار وقاد أمها إلى مركز الشرطة، قضت فيه يوما كاملا، من الخامسة صباحا حتى التاسعة مساء، ثم أفرجوا عنها.
رآها أهل القرية تدخل الدار في التاسعة مساء، فتحت الباب ودخلت بقامتها الفارعة المرفوعة، لم تكن شابة ولم تكن عجوزا، كأنما ليس لها عمر، أضاءت مصابيح البيت وجلست في الشرفة المطلة على جسر النيل، توافد عليها أهل القرية مهنئين، أقاموا احتفالا صغيرا بعودتها سالمة من التخشيبة، تبارى شباب القرية في إلقاء قصائدهم، تشجعهم أمها على كتابة الشعر وقراءة ما تنشره الكاتبة بدرية البحراوي.
نشأ الطفل ماجد وحيدا حزينا، أبوه من أسرة متوسطة بسيطة، من الموظفين في الدولة، لم يتميز أحد في أسرته في العلم أو الأدب أو السياسة، يحتل أبوه منصب وكيل وزارة أو مدير عام، ويظل كما هو شخصية باهتة تشبه القرش الممسوح، تصك الحكومة موظفيها مثل قطع العملة أو النقود، فهم شكل واحد، فصيلة واحدة من البشر، يعيش الموظف ويموت من دون أن يتغير شيء في العالم.
لم تختلف أمه عن أبيه كثيرا، تطيع زوجها كما يطيع زوجها رئيسه في الحكومة، اشتغلت أمه في وزارة التعليم (ناظرة أو مديرة إدارة)، كانت توفق دائما بين طاعة زوجها ورئيسها المباشر في العمل.
كانت جدته متفوقة في الدراسة، بالرغم من التربية الصارمة لأبيها، كان أحد أقطاب حزب الوفد القديم، كان ماجد قريبا من جدته منذ طفولته، يناديها «ماما الكبيرة» هي والدة أمه، غرست في عقل حفيدها طموحا إلى الحياة السياسية، السياسة تقود إلى الحكم، لكن الأدب يقود إلى السجن.
تقص عليه الحكايات عن أمجاد أبيها في حزب الوفد، بعضها حقيقي وبعضها من نسج أحلامها: جدك كان راجل عظيم يا ماجد، هو اللي كان ورا سعد زغلول، لولا جدك الله يرحمه لا يمكن كان سعد باشا يقف قصاد الإنكليز، لكن الدنيا حظوظ، جدك كان يكره المظاهر ويحب يشتغل بهدوء وإخلاص، بعيدا عن الدعايات والصحافة.
صفحه نامشخص