كان شاكر بيه مستلقيا في السرير داخل منامته الحريرية البيضاء يئن بصوت خافت، دخلت هنادي حاملة الصينية فوقها كوب اليانسون تتصاعد منه الأبخرة والنكهة المنعشة، وضعتها فوق الكوميدينو في جواره، ثم وقفت تنتظر لعله يأمرها بشيء آخر. - هاتي الإزازة من الدولاب في الحمام، مكتوب عليها فاليوم عارفاها؟ - أيوه طبعا عارفاها.
أسرعت هنادي إلى دولاب الأدوية الزجاجي، تعلمت بعض الكلمات الإنكليزية في معهد الكومبيوتر ومن الأستاذة فؤادة، تقرأ بسهولة كلمة فاليوم فوق الزجاجة، وكثيرا ما كانت تنظف الدولاب وتمسح الغبار عن علب الأدوية، وتتدرب على قراءة الحروف الأجنبية. - برافو عليكي يا هنادي إنتي بنت ذكية.
ابتسمت هنادي في سرور؛ إذ قلما تسمع كلمات مدح من شاكر بيه، هاتي الكرسي واقعدي هنا عاوز أسألك سؤال. - حاضر يا بيه.
وقفت هنادي قرب الكرسي من دون أن تجلس، لم تتعود الجلوس على الكراسي في البيت، لم يكن لديها الوقت لتجلس، وإن شعرت بالتعب فهي تجلس فوق السجادة على الأرض كما ترى أمها تفعل. - مبسوطة في المعهد يا هنادي؟ - أيوه. - أهم حاجة التعليم، والمستقبل أصبح للكومبيوتر. - أيوه.
يرشف شاكر بيه من كوب اليانسون، يا سلام اليانسون بتاعك ممتاز ممكن يعالج أي مغص، واقفة ليه يا هنادي؟ اقعدي. - حاضر.
تجلس هنادي على طرف الكرسي في حرج.
أنا عندي اجتماع مهم في الحزب الليلة لكن مش حاقدر أروح، يضع يده على بطنه ويتأوه، آه مش عارف سبب المغص ده إيه؟ يمكن تسمم غذائي. - بعد الشر عنك يا بيه. - كل شيء في البلد بقه مسمم، الأكل والهوا والميه، نظام فاسد مش كده يا هنادي؟ - أيوه يا بيه الناس كلها بتقول كده والمظاهرات بتهتف يسقط النظام. - بتمشي في المظاهرات يا هنادي؟ - أيوه لما يكون عندي وقت أروح الميدان مع المظاهرات. - لازم تخلقي الوقت للثورة يا هنادي، النظام ده لا يمكن يسقط من غير ما كل الناس تشارك في المظاهرات. - حاضر يا بيه.
يبتسم شاكر: حاضر يا بيه، كل حاجة حاضر يا بيه، إنتي مطيعة أوي لازم تتمردي تثوري شوية. - حاضر يا بيه.
يضحك شاكر بصوت عال، لأول مرة تسمعه يضحك بهذا الصوت. - إنتي عارفة يا هنادي إن كلمة بيه دي سقطت من القرن الماضي، وما فيش بيه ولا باشا والناس كلها ولاد تسعة، كلنا بنتولد بعد تسع شهور في البطن.
زمت هنادي شفتيها، لم تسمع شاكر بيه يتكلم بهذه اللهجة، رنت كلمة البطن في أذنها كأنها نابية، تأوه شاكر بيه وهو يضغط على بطنه، لو كانت مراتي تعرف واجبها تجاه زوجها ما كانتش تسافر وتسيبه تعبان، لكن طبعا هي الأستاذة الكاتبة العظيمة وأنا الزوج الغلبان، يعجبك الحال المعكوس ده يا هنادي؟ الست تبقى الراجل والراجل يبقى الست؟ - أنا مع تحرير النساء لكن الست لازم تفضل ست فيها أنوثة زيك يا هنادي.
صفحه نامشخص