هل يخفي أبي عن أمي شيئا خارج البيت؟
هل أبي هو أبي؟
هل الله هو الله؟
هل أباح لجدي خيانة جدتي؟
هل يحرقني في النار لأنه خلقني أنثى؟
أشطب بأصابع مرتجفة كلمة أنثى، سمعتها لأول مرة من فم جدي، لفظها بطرف لسانه كأنما يبصق ، ثم أخرج منديله الحريري النبيذي من جيبه ومسح فمه.
كرهت جدي وكرهت أبي والله، وجميع المعلمين في المدرسة، كرهت جدتي أيضا وأم رءوف وجميع النساء إلا أمي.
لم تكن أمي في نظري امرأة، كانت أمي، هي الوحيدة التي تحبني ويمكن أن تموت من أجلي، وهي الوحيدة التي يمكن أن أموت من أجلها.
سمعت أبي يقول إنه مستعد للموت من أجل الوطن، لكني لم أعرف ما هو الوطن، تصورت أنه المكان الذي يذهب إليه أبي في الليل ويمارس العادة السرية، لم أعرف معنى الموت حتى رأيت وجه أم رءوف الميت، ظل روحها بالرغم من موتها يأتي إلينا يدق جرس الباب، تصورت أن الموت ليس موتا بل مجرد الانفصال بين الروح والجسد، لم أعرف أن الروح والجسد يموتان معا.
صحوت من النوم فجأة على الرنين، ترتجف عضلة تحت ضلوعي لدى سماع الجرس، خوف غامض راسب في أعماقي منذ ولدت، أتوقع خبرا سيئا أو كارثة أو هزيمة جديدة، لما أعرف بعد معنى الهزيمة، أقفز من السرير، أرتدي ملابسي في غمضة عين، أخرج من دون فطور، أمشي إلى حيث ينتظرني الأوتوبيس الأحمر، عند ناصية الشارع أرى الرجل واقفا يقرأ الجورنال، أتعرف وجهه، يأتي إلى بيتنا يوم الإثنين من كل أسبوع، يتظاهر أنه لا يراني، تبربش عينه من وراء الجورنال ويرمقني بنظرة جانبية.
صفحه نامشخص