Informing Scholars About the History of the Wise
إخبار العلماء بأخبار الحكماء
پژوهشگر
إبراهيم شمس الدين
ناشر
دار الكتب العلمية
شماره نسخه
الأولى ١٤٢٦ هـ
سال انتشار
٢٠٠٥ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
ژانرها
ـ[إخبار العلماء بأخبار الحكماء]ـ
المؤلف: جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (المتوفى: ٦٤٦ هـ)
المحقق: إبراهيم شمس الدين
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الكل وعالم مَا قلّ وجلّ وواهب العدل. وباعث مخلوقاته يوم الفصل. وصلى الله عَلَى أنبيائه الأكرمين. وأخص بصلاته وتحيته نبيه محمد الَّذِي شفعه يوم الدين اختلف علماء الأمم فِي أول من تكلم فِي الحكمة وأركانها من الرياضة والمنطق والطبيعي والإلهي فكل فرقة ذكرت الأول عندها وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إدريس النبي ﷺ وكلّ الأوائل المذكورة عند العالم نوعًا هم من تلاميذه أَوْ تلاميذ تلاميذه الأقرب فالأقرب وَقَدْ عزمت بتأييد الله عَلَى ذكر من اشتهر من الحكماء من كل قبيلة وأمة قديمها وحديثها إِلَى زماني وَمَا حفظ عنه من قول انفرد بِهِ أَوْ كتاب صنفه أَوْ حكمة علية ابتدعها ونسبت إِلَيْهِ فإني رأيت ذَلِكَ من الأمور الَّتِي جهلت والتواريخ الَّتِي هجرت وَفِي مطالعة هَذَا اعتبار بمن مضى وذكر من خلف وهو اعتبار أرجو بِهِ الثواب لي ولقارئه إِن شاء الله تعالى وَقَدْ قفيته ليسهل تناوله والله الموفق.
1 / 7
حرف الهمزة فِي أسماء الحكماء
إدريس النبي ﷺ. قَدْ ذكر أهل التواريخ والقصص وأهل التفسير من أخباره مَا أنا فِي غنى من إعادته وأنا ذاكر مَا قاله الحكماء خاصة اختلف الحكماء فِي مولده ومنشئه وهمن أخذ العلم قبل النبوة فقالت فرقة ولد بمصر وسموه هرمس الهرامسة ومولده بمنف وقالوا هو باليونانية أرميس وعرب بهرمس ومعنى أرميس عطارد وقال آخرون اسمه باليونانية طرميس وهو عند العبرانيين اسمه خنوخ وعرب أخنوخ وسماه الله ﷿ فِي كتابه العربي المبين أدونيس وقال هؤلاء ام معلمه اسمه الغوثاذيمون وقيل وقيل اغثاذيمون المصري وَلَمْ يذكروا من كَانَ هَذَا الرجل إِلاَّ أنهم قالوا أنه كَانَ أحد الأنبياء اليونانيين والمصريين وسموه أيضًا أورين الثاني وإدريس عندهم أورين الثالث وتفسير غوثاذيموس السعيد الجد وقالوا خرج هرمس من مصر وجاب الأرض كلها ثُمَّ عاد إِلَيْهَا ورفعه الله إِلَيْهِ بِهَا وذلك بعد اثنين وثمانين سنة من عمره وقالت فحرقة أخرى أن إدريس ولد ببابل ونشأ وأنه أخذ فِي أول عمره بعلم شيث بن آدم وهو جد جد أبيه لإدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش قال الشهرستاني أن أغثاذيمون هو شيث ولما كبر إدريس آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث فأطاعه أقلهم وخالفهم جلهم تنوي الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك الثقل عليهم الرحيل عن أَوْطانهم فقالوا لَهُ وأين نجد إِذَا رحلنا مثل بابل وبابل بالسريانية النهر وكأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات فقال إِذَا هاجرنا لله رزقنا غيره فخرج وخرجوا وساروا إِلَى أن وافوا هَذَا الإقليم الَّذِي سمي بابليون فرأوا النيل وراؤه واديًا خاليًا من ساكن فوقف إدريس عَلَى النيل
1 / 8
وسبح الله وقال لجماعته بابليون واختلف فِي تفسيره فقيل نهر كبير وقيل نهر كنهركم وقيل نهر مبارك وقيل أن بون فِي السريانية مثل افعل الَّتِي للمبالغة فِي كلام العرب وكأن معناه نهرًا كبر فسمى الإقليم عند جميع الأمم بابليون وسائر فرق الأمم عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ العرب فأنهم يسمونه إقليم مصر نسبة إِلَى مصر بن حام النازل بِهِ بعد الطوفان والله أعلم بكل ذَلِكَ. وأقام إدريس ومن مع بمصر يدعو الخلائق إِلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله ﷿ وتكلم الناس فِي أيامه باثنين وسبعين لسانًا وعلمه الله ﷿ منطقهم ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم ورسم لَهُ تمدين المدن وجمع لَهُ طالبي العلم بكل مدينة فعرفهم السياسة المدنية وفرو لهم قواعدهم فبنت كل فرقة من الأمم مدنًا فِي أرضها وَكَانَتْ عدة المدن الَّتِي أنشأت فِي زمانه مائة مدينة وثماني وثمانين مدينة أسفرها الرها وعلمهم العلوم .. وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله ﷿ أفهمه سر الفلك وتركيبه ونقطة اجتماع الكواكب فِيهِ وأفهمه عدد السنين والحساب ولولا ذَلِكَ لَمْ تصل الخواطر لاستقرائها إِلَى ذَلِكَ وأقام للأمم سننًا فِي كل إقليم تليق كل سنة بأهلها وقسم الأرض أربعة أرباع وجعل عَلَى كل ربع ملكًا بسوس أمر المعمور من ذَلِكَ الربع وتقدم إِلَى كل ملك بأن يلزم أهل كل ربع بشريعة سأذكر بعضها وأسماء الأربعة الملوك الذين ملكوا. الأول إيلاوس وتفسيره الرحيم. والثاني أوس. والثالث سقلبيوس والرابع أوس آمون وقيل أيلاوس أمون وقيل بَسيلوخَس وهو آمون الملك.
ذكر بعض مَا سنة لقومه المطيعين لَهُ. دعا إِلَى دين الله والقول بالتوحيد وعبادة الخالق وتخليص النفوس من العذاب فِي الآخرة بالعمل الصالح فِي الدنيا وحض عَلَى الزهد فِي الدنيا والعمل بالعدل وأمرهم بصلوات ذكرها لهم عَلَى صفات بينها وأمرهم بصيام أيام معروفة من كل شهر وحثهم عَلَى الجهاد لأعداء دينهم وأمرهم بزكاة الأموال معونة للضعفاء بِهَا وغلظ عليهم فِي الطهارة من الجناية وحرم عليهم لحم الحمار والكلب وحرم السكر من كل شيء من المشروبات وشدد فِيهِ أعظم
1 / 9
التشديد وجعل لهم أعيادًا كثيرة فِي أوقات معروفة وقربانات منها لدخول الشمس رؤوس البروج ومنها لرؤية الهلال وكلما صارت الكواكب فِي بيوتها وشرفها وناظرت كواكب أخر.
ذكر مَا أمر بِهِ من القرابين .. أمر بتقريب ثلاثة أشياء البخور والذبائح والخمر وتقريب كل باكورة فمن الرياحين الورد ومن الحبوب الحنطة ومن الفواكه العنب ووعد أهل ملته بأنبياء يأتون من بعده عدة وعرفهم صفة النبي ﷺ فقال يكون بريًا من المذمات والآفات كلما كامل في الفضائل الممدوحات لا يقصر عن مسألة يسأل عنها مما فِي الأرض والسماء ومما فِيهِ دواء وشفاء من كل ألم وأن يكون مستجاب الدعوة فِي كل مَا يطلبه وأن يكون مذهبه ودعوته المذهب الَّذِي يصلح بِهِ العالم ولما ملك إدريس الأرض رقب الناس ثلاث طبقات كهنة وملوكًا ورعية وجعل مرتبة الكاهن فَوْقَ مرتبة الملك لأن الكاهن يسأل الله فِي نفسه وَفِي الملك وَفِي الرعية وَلَيْسَ للملك أن يسأل الله إِلاَّ فِي نفسه وَفِي ملكه وَفِي العرية وَمَا لَهُ أن يسأله فِي الكاهن أقرب إِلَى الله منه فقد نقصت منزلة الملك بهذا عن منزلة الكاهن وَلَيْسَ للرعية أن تسأل الله فِي شيء إِلاَّ فِي نفسها لأن الملك أجل منزلة عنها عند الله الَّذِي ملكه عَلَى الرعية فنقصوا بذلك مرتبة عن الملك ومرتبتين عن الكاهن فلز يزالوا عَلَى هَذِهِ القاعدة من الفعل فِي العبادة وآداب الأثمار بهذه الشريعة إِلَى أن رفع الله إدريس إِلَيْهِ وخلفه أصحابه عَلَى شريعته وَكَانَ أقوى الملوك عزمًا من الأربعة اسقلبيوس فإنه اجتهد لحفظ الكلمة وقوانين الشريعة الإدريسية وحَزِن لرفه إدريس من بين أظهرهم وصورته فِي الهياكل وصورة رفعه وَكَانَ اسقلبيوس ملكًا فِي الجهة الَّتِي ملكها يونان بعد الطوفان فوجدوا صورة أدريس ورفعه وعلموا علو قدر إسقلبيوس وتدوينه الحكم لهم فِي الهياكل الَّتِي لَمْ يفسدها الطوفان فظنوا أن إسقلبيوس هو الَّذِي ارتفع إِلَى السماء وغلطوا فِي ذَلِكَ غلطًا بينًا لأنهم أخذوه بالحدس وسيأتي بعض ذَلِكَ فِي أخبار إسقلبيوس إِن شاء الله تعالى وشريعته يعني إدريس هي
1 / 10
الممكة الحقيقية وتعرف فِي ملة الصابئين بالقيمة وطبقة المعمور من الأرض وَكَانَتْ قبلته إِلَى حقيقة الجنوب عَلَى خط نصف النهار.
صورة هرمس الهرامسة وهو إدريس قيل أنه كَانَ ﵇ رجل آدم تام القامة أجلح حسن الوجه كث اللحية مليح الشمائل والتخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العينين أكحلهما متأنيًا فِي كلامه كثير الصمت ساكن الأعضاء إِذَا مشي أكثر نظره إِلَى الأرض كثير الفكرة بِهِ عبسة وإذا اغتلظ احتد يحرك سبابته إِذَا تكلم وكانت مدو مقامه فِي الأرض اثنين وثمانين سنة وَكَانَ عَلَى فص خاتمه الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر وَعَلَى المنطقة الَّتِي يلبسها فِي الأعياد حفظ الفروض والشريعة من تمام الدين وتمام الدين كمال المروءة وَعَلَى المنطقة الَّتِي يلبسها وقت الصلاة عَلَى الميت السعيد من نظر لنفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة وَكَانَتْ لَهُ مواعظ وآداب استخرجها كل فرقة بلسانها تجري مجرى الأمثال والرموز فاذكر بعضه إِن شاء الله تعالى فمن ذَلِكَ. قوله لن يستطيع أحد أن ينكر الله عَلَى نعمه بمثل الأنعام عَلَى خلقه. وقال من أراد بلوغ العلم وصالح العمل فليترك من يده أداة الجهل وسيئ العمل كما ترى الصانع الَّذِي يعرف الصنائع كلها إِذَا أراد الخياطة أخذ ألئها وترك النجارة فحب الدنيا وحب الآخرة لا يجتمعان فِي قلب أبدا. وقال خير الدنيا حسرة وشرها ندم. وقال إِذَا دعوتم الله سبحانه وتعالي فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلاة فافعلوا. وقال لا تحلفوا كاذبين ولا تهجعوا عَلَى الله ﷾ باليمين ولا خلفوا الكاذبين فتشاركوهم فِي الإثم. وقال تجنبوا المكاسب الدنيئة. وقال أطيعوا واخضعوا لأكابركم واملؤوا أفواهكم بحمد الله.
1 / 11
وقال حياة النفس فِي الحكمة. وقال اجتنبوا مصاحبة الأشرار. وقال لا تحسدوا الناس عَلَى مواتاة الخط فإن استمتاعهم بِهِ قليل. وقال من تجاوز الكفاف لَمْ يغنه شيء. قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الهرامسة ثلاثة أولهم هرمس الَّذِي كَانَ قبل الطوفان ومعني هرمس لقي كما يقال قيصر وكسرى وتسميه الفرس فِي سيرها ابُهَجُل وتذكر الفرس إِن وجد جيومرت وتسميه العبرانيون خنوخ وهو عندهم إدريس أيضًا قال أبو معشر وهو أول من تحكم فِي الأشياء العلوية من الحركات النجومية وهو أول من بنى الهياكل ومجد الله فِيهَا وهو أول من نظر فِي الطب وتكلم فِيهِ وألف لأهل زمانه قصائد موزونة وأشعارًا معلومة فِي الأشياء الأرضية والعلوية وهو أول من أنذر بالطوفان وذلك أنه رأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار وَكَانَ مسكنه صعيد مصر تخير ذَلِكَ فبنى هياكل الأهرام ومدائن البرابي وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وصور فِيهَا جميع الصناعات وصانعيها نقشًا وصور جميع آلات الصناع وأشار إِلَى صفات العلوم برسوم لمن بعده خشية أن يذهب رسم تِلْكَ العلوم وثبت فِي الأثر المرويّ عن السلف أن إدريس أول من درس الكتب ونظر فِي العلوم وأنزل الله عَلَيْهِ ثلاثين صحيفة وهو أول من خاط الثياب ولبسها ورفعه الله إِلَيْهِ مكانًا عليًا وحكى عنه أبو معشر حكايات شنيعة أتيت بأخفها وأقربها لتقضي كلام ابن جلجل.
أمون الملك الحكيم هَذَا لقب لَهُ واسمه الحقيقي بسيلوخس وهو أحد الملوك الأربعة الَّذِينَ أخذوا الحكمة عن هرمس الأول وَكَانَ هرمس قَدْ ولاه ربع الأرض وَكَانَ أمون هَذَا معدودًا فِي الحكماء إِلاَّ أنه لَمْ يخرج من كلامه شيء إِلَى العربية ولما ولاه رمس الملك أوصاه بوصايا خرج بعضها وترجم أنه قال فمنه أنه قال أَول مَا أوصيك بِهِ تقوى الله ﷿ وإيثار طاعته ومن توليه أمور الناس فيجب عَلَيْهِ أن يكون ذاكرًا ثلاثة أشياء أولها أن يده تكون عَلَى قوم كثير والثاني أن الذين يده مطلقة عليهم أحرار لا عبيد والثالث أن سلطانه لا يلبث
1 / 12
وقال لَهُ وإياك وأن تهمل الحرب والجهاد لمن لا يؤمن بالله جل اسمه ولا يتبع سنتي وشريعتي وأعلم أن الرعية تسكن إِلَى من أحسن إِلَيْهَا وتنفر عمن أساء والسلطان برعيته فإذا نفروا عنه كَانَ سلطان نفسه. أصلح آخرتك تصلح لَكَ دنياك. اكتم السر واستيقظ فِي الأمور وجد فِي الطلب وإذا هممت فافعل. وعليك بحفظ أهل الكيميا العظمى وهم الفلاحون فإن الجند بهم يكثرون وبيوت الأموال تعمر. وأكرم أهل العلك وقدمهم لئلا تجهل الرعية حقهم من طلب العلم أكرم ليصفو ذهنه. من قدح فِي الملك اضرب عنقه وشهره ليحذر سواه فإن الملك إِذَا فسد فسدت الرعية. ومن سرق اقطع يده. ومن قطع الطريق اضرب عنقه. ومن وجدته ذكر مثله فحرقه بالنار. ومن وجدته مظلومًا فخذ بيده. تعهد أمر المحبوسين فِي كل شهر تأمن سجن المظلوم. شاور من علمته عاقلًا تأمن خلل الانفراد. لا تعاجل صغار الذنوب بالعقوبة واجعل بَيْنَهما للاعتذار طريقًا ثُمَّ قال لَهُ عند انفصاله عنه سبيل الملك أن يبتدئ بسلطانه عَلَى نفسه ليستقيم لَهُ سلطانه عَلَى غيره.
إسقلبيوس الحكيم وربما قيل إسقلابيوس وربما قيل اسقلبياذس. وهذا هو أحد الملوك الأربعة الَّذِين صحبوا هرمس وأخذوا عنه الحكمة وَكَانَ هَذَا أكثرهم أخذًا لها وأشهرهم بذكرها وولاه هرمس ربع الأرض المعمورة يومئذ وهذا الربع هو الَّذِي ملكته اليونانيون بعد الطوفان وَكَانَ هرمس لما رفعه الله إِلَيْهِ وبلغ إسقلبيوس هَذَا من أمره حزن لذلك حزنًا شديدًا تأسفًا عَلَى مَا فات أهل الأرض من بركته وعلمه وصر صورته فِي هيكل
1 / 13
عبادته وَكَانَتْ الصورة عَلَى غاية مَا يمكن من إظهار أهبة الوقار عَلَيْهَا والعظمة فِي هيأتها ثُمَّ صوره مرتفعًا إِلَى السماء وَكَانَ إِذَا دخل الهيكل جلس بَيْنَ يدي الصورة معظمًا لَهَا كحالته فِي حالة الوجود وَلَمْ يزل عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن مات وَقَدْ قيل أن هَذَا سبب عبادة الأصنام فإن صاب بن إدريس وقيل ابن ملك عظم الأصنام وجعلها آلهة لتعظيم إسثقلبيوس لهذه الصورة الَّتِي وجدت فِي هيكله ولما استولى اليونانيون بعد الطوفان عَلَى الأرض الَّتِي بِهَا إسقلبيوس ملكًا ورأوا الهيكل والصورة فِي حالة جلوسها عَلَى كرسيها وحالة ارتفاعها إِلَى السماء ظنوا أنها صورة اسقلبيوس وبعد عليهم حديث هرمس فعظموا إسقلبيوس وظنوه أول من تكلم فِي الحكمة عَلَى الإطلاق ونسبوا أنه أول من تكلم بِهَا فِي أرضهم لا غير حَتَّى قال جالينوس فِي ذكره أنه لَمْ يكن بحث المتقدمين من يونان عن إسقلبيوس بحثًا يسيرًا ولقد أقسمت بِهِ يونان عَلَى متعلميهم مقترنًا بالقسامة بالله تعظيمًا لَهُ قال بقراط فِي عهوده أقسم عليكم معاشر الأولاد بخالق الموت والحياة وبأبي وأبيكم إسقلبيوس هكذا رأيته فِي تراجم كتاب العهود قال جالينوس فِي تفسيره لهذا الكتاب الَّذِي يتناهى إلينا من قصة إسقلبيوس قولان أحدهما لغز والآخر طبيعي أما اللغز فيذهب فِيهِ إِلَى أنه قوة الله تبارك واشتق وتعالى واشتق لهذا الاسم من فعلها وهو منع اليبس وذكر ابن جلجل أن إسقلبيوس هَذَا تلميذ لهرمس المصري وَكَانَ مسكنه أرض الشام وذكر جالينوس فِي كتابه الَّذِي ألفه فِي الحث عَلَى الطب أن الله أوحى إلي اسقلبياذس لأن اسميك ملكًا أقرب من أن أسميك إنسانًا وكر بقراط فِي كتاب إيمانه وعهده أن هَذَا الاسم أعني إسقلبياذس فِي لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور والطب صناعة إسقلبيوس وأنه لا يجب تعاطيها إِلاَّ لمن كَانَ عَلَى سيرة إسقلبيوس من الطهارة العفاف والتقى وأنه لا بجل أن يعلم الشرار ولا ذوي الأنفس الخبيثة وإنما يجب أن يتعلمها الأشراف والمتألهون أعني العارفين بالله ﷿ وذكر بقراط فِي هَذَا الكتاب أنه ارتفع إِلَى الهواء فِي عمود من نور وذكر جالينوس فِي مقالته الأولى إِلَى اغلوقن الفيلسوف فقال لو كنت
1 / 14
أقدر أن أكون مثل إسقلبيوس وقال جالينوس أيضًا فِي صدر كتاب حيلة البرء مما يجب أن يحقق الطب عند العامة مَا يرونه من الطب الإلهي فِي هيكل إسقلبيوس عَلَى مَا حكاه هروسيس صاحب القصص أن بيتًا كَانَ فِي مدينة رومية كَانَتْ فِيهِ صورة تكلمهم ويسألونها وَكَانَ المستنبط لَهَا فِي القديم إسقلبيوس وزعم مجوس رومية أن تِلْكَ الصورة كَانَتْ منصوبة عَلَى حركات نجومية وأنه كَانَ فِيهَا روحانية كوكب من الكواكب السبعة وَكَانَ دين أهل رومية قبل النصرانية عبادة النجوم هكذا حكاه هروسيس.
ولإسقلبيوس أخبار شنيعة سائرة ذكرنا أقربها إِلَى العقل قال أفلاطون فِي كتابه المعروف بالنواميس أن إسقلبيوس كَانَ مشتغلًا فِي هيكل بالتقديس إذ تحاكم إِلَيْهِ رجل وامرأة فِي جنين كَانَ فِي بطن المرأة قال إسقلبيوس للمرأة أنه كَانَ زوجك فِي هيكل عبدة الشمس يدعو لَكِ بالبقاء والسلامة وأنت قَدْ واقعك غلام من بني فلان وستلدين بعد ثلاث خلفًا مشوهًا فولدت لَهُ فِي صدره يدان ثُمَّ عطف عَلَى الرجل فقال يَا هَذَا عقدت نكاح هَذِهِ المرأة عَلَى مَا لا ينبغي فحصدت منها أكثر مما زرعت. وحكي عنه أنه أيضًا أفلاطون فِي هَذَا الكتاب أن رجلًا خبأ لَهُ مالًا فقال يَا نور الألباب ضاع لي مال فأثره لي فنهض معه إِلَى منزله فأثاره لَهُ ثُمَّ قال للرجل حقبق لمن يسخر بأنعم الله أن يسلبه إياها وسيذهب لَكَ هَذَا المال ثو لا يعود وَكَانَ كذلك.
وذكر بقراط أن عصا إسقلبيوس كَانَتْ من شجرة الخطمى معتدلة فِي الحر والبرد وَكَانَ يراعى فِي أموره الاعتدال فلم ير أن يتخذ عصا إِلاَّ من شجرة معتدلة وإنما صور حولها حية لأنها من بين جميع الحيوانات أطولها عمرًا فجعل ذَلِكَ مثالًا للعلم الَّذِي لا يدثر ولا يبيد وَلَهُ أخبار عند النصارى وَفِي كتبهم تجري مجرى الأسمار لا يلامسها العقل فأضربت عن ذكرها.
واعلم وفقك الله أن الكلام فِي أولية الطب ومن أحدثه وَفِي أي زمن وجد عسِر جدًا وذلك أن الذين يقولون يقدم العالم يقولون أن الطب قديم
1 / 15
بقدم العالم لأن الطب ملازم للإنسان فِي حالة وجوده والإنسان قديم فالطب قديم. والفرقة الأخرى الَّتِي تعتقد حدوث الأجسام تقول الطب محدث لأن الأجسام الَّتِي يستعمل فِيهَا الطب محدثة وأصحاب الحدوث ينقسمون فِي القول فالقسم الواحد يقول أن الطب خلق مع الإنسان إذ كَانَ من الأشياء الَّتِي بِهَا صلاحه وبعضهم يقول أن الطب خلق بعد خلق الإنسان فأما سقلبيوس هَذَا فليس حديثه إِلاَّ عَلَى سبيل السمر هَذَا مع إجماع الأطباء عَلَى أنه أول من استخرج الطب واستنبطه وقالوا جاءه الطب عَلَى سبيل الوحي فأما حصر زمانه وزمان من جاء بعده فقد ذكروا من عدة السنين مما بينه وبين جالينوس مَا يزيد عَلَى خمسة آلاف سنة فهذا يدل عَلَى أنه كَانَ قبل الطوفان وكل مَا هو قبل الطوفان لا تعلم حقيقته لعدم المخبر بِهِ على الوجه ومن ادعى النسبة إِلَيْهِ مثل مَا قيل فِي بقراط أنه من نسله فهو كلام لا يصح لأن الإجماع من الجمهور واقع عَلَى أن نسل آدم انقطع إِلاَّ من نسل أولاد نوح الثلاثة وهم سام وحام ويالث فلا يصح اتصال ينسب إِلَى إسقلبيوس الأول والله أعلم .. وذكر يحيى النحوي أول من أظهر عَلَى مَا تناهى إلينا فِي الكتب المكتوبة والأحاديث المشهورة من العلماء بذلك الثقات هو إسقلبيوس الأول وهو الَّذِي استخرج الطب بالتجربة ومن إسقلبيوس إِلَى جالينوس خاتم الطباء من الأطباء ثمانية وهم إسقلبيوس الأول وغورس وميلس وبرماغيذس وأفلاطون الطبيب وإسقلبيوس الثاني وبقراط وجالينوس ومدة مَا بَيْنَ ظهور أولهم وإلى وفاة أخرهم خمسة آلاف وخمسمائة وستون سنة منها الفترات بَيْنَ كل واحد من هؤلاء الأطباء الثمانية منذ وقت وفاته بموجب مَا فضل يكون خمسة آلاف وإحدى عشر سنة وإلى ظهور الآخر أربعة آلاف وثمانمائة وتسع وثمانون سنة من ذَلِكَ منذ وقت وفاة إسقلبيوس الأول وإلى ظهور غورس ثمانمائة وست وخمسون سنة ومنذ وقت وفاة غورس وإلى ظهور ميلس خمسمائة وستون سنة ومنذ وقت وفاة ميلس وإلى ظهور برمانيذس
1 / 16
سبعمائة وخمس عشر سنة ومنذ وقت وفاة برمانيذس وإلى ظهور أفلاطون سبعمائة وخمس وثلاثون سنة ومنذ وقت وفاة أفلاطون وإلى ظهور إسقلبيوس الثاني ألف وأربعمائة وعشرون سنة ومنذ وقت وفاة إسقلبيوس الثاني وإلى ظهور بقراط ستون سنة ومنذ وقت وفاة بقراط وإلى ظهور جالينوس ستمائة وخمس وستون سنة ومنها مَا عاش كل واحد من هؤلاء الأطباء الثمانية منذ وقت مولده وإلى وقت وفاته ستمائة وثلاث عشرة سنة من ذَلِكَ إسقلبيوس الأول عاش تسعين سنة صبي وفتى وقبل أن تفتح لَهُ القوة الإلهية خمسين سنة عالم معلم ثلاثين سنة ميلس عاش أربعًا وثمانين سنة صبي ومتعلم أربعًا وستين سنة عالم معلم عشرين سنة برمانيذس عاش أربعين سنة صبي ومتعلم خمسًا وعشرين سنة عالم معلم خمس عشرة سنة أفلاطون عاش ستين سنة صبي ومتعلم أربعين سنة عالم معلم عشرين سنة إسقلبيوس الثاني عاش مائة وعشر سنين صبي ومتعلم خمس عشرة سنة عالم متعلم تسعين سنة عطل خمس سنين بقراط عاش خمسًا وتسعين سنة صبي ومتعلم ست عشرة سنة عالم معلم تسعًا وسبعين سنة جالينوس عاش سبعًا وثمانين سنة صبي ومتعلم ست عشرة سنة عالم معلم إحدى وسبعين سنة ولكل واحد من هؤلاء الأطباء الأصول من علموه هَذِهِ الصناعة وخلفوه بعدهم لثبات ذكرهم من الأولاد والتلاميذ من بين العصبة والكلالة إذ كَانَتْ بينهم العهود والمواثيق ألا يعلموا هَذِهِ الصناعة غريبًا عَلَى رسم إسقلبيوس الأول وخلف إسقلبيوس من التلاميذ من بين ولد وقرابة ستة وهم ماغينوس
1 / 17
وسقراطون وأخروسيوس الطبيب ومهراريس المكذب عَلَيْهِ والمزور نفسه فِي الكتب أنه لحق سليمان بن داود وبينهما ألوف سنين وصور بذوس وميساوس وَكَانَ كل واحد من هؤلاء يتاحل رأي أستاذه إسقلبيوس وهو رأى التجربة إذ كَانَ الطب خرج لَهُ بالتجربة وقال جالينوس فِي صورة إسقلبيوس الَّتِي يجدونها فِي هياكلهم أنه صورة رجل ملتحي متزين بجمة ذات ذوائب قال وإذا تأملته وجدته قائمًا مشمرًا مجموع الثياب فيدل هَذَا الشكل عَلَى أنه ينبغي للأطباء أن يتفلسفوا فِي جميع الأوقات قال وثري الأعضاء منه الَّتِي يستحي من تكشفها مستورة
والأعضاء الَّتِي تحتاج إِلَى استعمال الصناعة بِهَا معراة مكشوفة قال ويصور آخذ بيده عصا معوجة ذات شعب من شجرة الخطمى فيدل بذلك عَلَى أنه يمكن فِي صناعة الطب ان يبلغ من استعملها من السن أن يحتاج إِلَى عصا يتكئ عَلَيْهَا وبالعصا أيضًا ينبه النيام وأما تصويرهم تِلْكَ العصا من شجرة الخطمى فلأنه يطرد بِهَا وينفي كل مرض وقال حنين ابن إسحاق نبات الخطمى لما كَانَ دواه يسخن إسخانًا معتدلًا تهيأ فِيهِ أن يكون علاجًا كثير المنافع إنما إذَا استعمل مفردًا وحده وإذا خلط بما هو أسخن منه أَوْ أبرد ولهذا تجد اسمه فِي اللسان اليوناني مشتقًا من اسم العلاجات وذلك بأنهم يدلون بهذا الاسم عَلَى أن الخطمى فِيهِ منافع كثيرة قال جالينوس أما اعوجاجها وكثرة شعبها فيدل عَلَى كثرة الأصناف والتفنن الموجود فِي صناعة الطب ولست تجدهم أيضًا تركوا هَذِهِ العصا بغير زينة ولا تهيئة لكنهم صوروا عَلَيْهَا صورة حيوان طويل الشعر يلتف عَلَيْهَا وهو التنين ويقرب هَذَا الحيوان من إسقلبيوس لأسباب كثيرة أحدها أنه حيوان حاد النظر كثير السهر لا ينام فِي وقت من الأوقات وَقَدْ ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم ويكون فِي غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر وبما من شأنه أن يحدث وقالوا هَذَا الحيوان أعني التنين طويل العمر جدًا حَتَّى أن حياته يقال أنها الدهر كله وَقَدْ يمكن فِي المستعملين لصناعة الطب أن تطول أعمارهم قال وإذا صور إسقلبيوس جعل عَلَى رأسه إكليل يتخذ من شجرة الغار لأن من شأن هَذِهِ الشجرة أن تذهب بالحزن ولهذا تجد هرمس إذَا سمى المهيب كليل بمثل هَذَا الإكليل ولذلك ينبغي للأطباء أن يصرفوا عنهم الحزان لأن إسقلبيوس كلل بإكليل يذهب بالحزن ولأن الشجرة هَذِهِ أيضًا فِيهَا قوة تشفي الأمراض من ذَلِكَ أنك تجدها إذَا ألقيت فِي موضع هربت من ذَلِكَ الموضع الهوام وذوات السموم. لأعضاء الَّتِي تحتاج إِلَى استعمال الصناعة بِهَا معراة مكشوفة قال ويصور آخذ بيده عصا معوجة ذات شعب من شجرة الخطمى فيدل بذلك عَلَى أنه يمكن فِي صناعة الطب ان يبلغ من استعملها من السن أن يحتاج إِلَى عصا يتكئ عَلَيْهَا وبالعصا أيضًا ينبه النيام وأما تصويرهم تِلْكَ العصا من شجرة الخطمى فلأنه يطرد بِهَا وينفي كل مرض وقال حنين ابن إسحاق نبات الخطمى لما كَانَ دواه يسخن إسخانًا معتدلًا تهيأ فِيهِ أن يكون علاجًا كثير المنافع إنما إذَا استعمل مفردًا وحده وإذا خلط بما هو أسخن منه أَوْ أبرد ولهذا تجد اسمه فِي اللسان اليوناني مشتقًا من اسم العلاجات وذلك بأنهم يدلون بهذا الاسم عَلَى أن الخطمى فِيهِ منافع كثيرة قال جالينوس أما اعوجاجها وكثرة شعبها فيدل عَلَى كثرة الأصناف والتفنن الموجود فِي صناعة الطب ولست تجدهم أيضًا تركوا هَذِهِ العصا بغير زينة ولا تهيئة لكنهم صوروا عَلَيْهَا صورة حيوان طويل الشعر يلتف عَلَيْهَا وهو التنين ويقرب هَذَا الحيوان من إسقلبيوس لأسباب كثيرة أحدها أنه حيوان حاد النظر كثير السهر لا ينام فِي وقت من الأوقات وَقَدْ ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم ويكون فِي غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر وبما من شأنه أن يحدث وقالوا هَذَا الحيوان أعني التنين طويل العمر جدًا حَتَّى أن حياته يقال أنها الدهر كله وَقَدْ يمكن فِي المستعملين لصناعة الطب أن تطول أعمارهم قال وإذا صور إسقلبيوس جعل عَلَى رأسه إكليل يتخذ من شجرة الغار لأن من شأن هَذِهِ الشجرة أن تذهب بالحزن ولهذا تجد هرمس إذَا سمى المهيب كليل بمثل هَذَا الإكليل ولذلك ينبغي للأطباء أن يصرفوا عنهم الحزان
1 / 18
لأن إسقلبيوس كلل بإكليل يذهب بالحزن ولأن الشجرة هَذِهِ أيضًا فِيهَا قوة تشفي الأمراض من ذَلِكَ أنك تجدها إذَا ألقيت فِي موضع هربت من ذَلِكَ الموضع الهوام وذوات السموم.
أبيذقليس حكيم كبير من حكماء يونان وهو أول الحكماء الخمسة المعروفين بأساطين الحكمة وأقدمهم زمانًا والخمسة هم أبيذقليس هَذَا ثُمَّ فيثاغورس ثُمَّ سقراط ثُمَّ أفلاطون ثُمَّ ارسطوطاليس بن نيقوماخس الغبثاغوري الجهراسني فهؤلاء الخمسة هم المجمع عَلَى استحقاقهم اسم الحكمة عند اليونانيين ولغة اليونانيين ولغة اليونانيين تسمى الإغريقية وهي من أوسع اللغات وأجلها وكانت رامة اليونانيين صابئة يعظمون الكواكب ويدينون بعبادة الأصنام وعلماؤهم يسمون فلاسفة وأحدهم فيلسوف وهو اسم معناه باللغة العربية محب الحكمة وفلاسفة اليونانيين من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء الصحيح بفنون الحكمة من العلوم الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية والإلهية والسياسات المنزلية والمدنية .. فأما أبيذقليس هَذَا لكان فِي زمن داود النبي ﵇ عَلَى مَا ذكره العلماء بتواريخ الأمم وقيل أنه أخذ الحكمة عن لقمان الحكيم بالشام ثُمَّ انصرف إِلَى بلاد اليونانيين فتكلم فِي خلقة العالم بأشياء تقدح ظواهرها فِي أمر المعاد فهجره بعضهم وله تصنيف فِي ذَلِكَ رأيته فِي كتب الشيخ أبي الفتح نصر ابن إبراهيم المقدسي الَّتِي وقفها عَلَى البيت المقدس الشريف وأرسطوطاليس عَلَيْهِ كلام وردود ومن الفرقة الباطنية من يقول برأيه وينتمي فِي ذَلِكَ إِلَى مذهبه ويزعمون أن لَهُ رموزًا قلما يوقف عَلَيْهَا وهي فِي غالب الظن إيهامات منهم فاتنا مَا رأينا شيئًا منها والكتاب الَّذِي رأيته لَيْسَ فِيهِ شيء مما زعموه.
ومن المشتهرين فِي الملة الإسلامية بالانتماء إِلَى مذهبه محمد بن عبد الله الجبلي الباطني من أهل قرطبة كَانَ كلامًا بفلاسفته ملازمًا لدراستها وهو محمد بن عبد الله بن ميسرة بن تجبح القرطبي أبو عبد الله سمع من أبيه ومن ابن وضاح والخشني وخرج إِلَى المشرق فارًّا لما اتهم بالزندقة لإكثاره من النظر فِي فلسفة أبيذقليس ولهجه بِهَا وتردد فِي المشرق مدة واشتغل بملاحاة أهل
1 / 19
الجدل وأصحاب الكلام والمعتزلة ثُمَّ عاد إِلَى الأندلس وأظهر النسك والورع واغتر الناس بظاهره واختلفوا إِلَيْهِ وسمعوا منه ثُمَّ ظهروا عَلَى معتقده وقبح مذهبه فانقبض عنه بعض ولازمه ودانوا بنحلته وَكَانَ لَهُ لسان خلوب يتوصل بِهِ إِلَى مراده وَكَانَ مولده ليلة الثلاثاء لسبع مضين من شعبان سنة تسع وستين ومائتين وتوفي يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة تسع عشرة وستمائة وهو ابن خمسين سنة وثلاثة أشهر والمشتهر من أمر أبيذقليس أنه أول من ذهب إِلَى الجمع بَيْنَ معاني صفات الله تعالى وأنها كلها تؤدي إِلَى شيء واحد وأنه إن وصف بالعلم والجود والقدرة فليس هو ذا معان متميزة تختص بهذه الأسماء المختلفة بل هو الواحد بالحقيقة الَّذِي لا يتكثر بوجه مَا أصلًا بخلاف سائر الموجودات فإن الوحدانيات العالمية معرضة للتكثر إما بأجزائها وإما بمعانيها وإما بنظائرها وذات الباري ﷾ متعالية عن هَذَا كله إِلَى هَذَا المذهب فِي الصفات ذهب أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاّف البصري أفلاطون بن أرسطون أحد أساطين الحكمة الخمسة من يونان كبير القدر فيهم مقبول القول بليغ فِي مقاصده أخذ عن فيثاغورس اليوناني وشارك سقراط فِي الأخذ عنه وَلَمْ يشتهر ذكره بَيْنَ علماء يونان إِلاَّ بعد موت سقراط وَكَانَ أفلاطون شريف النسب فِي بيوت يونان من بيت علم واحتوى عَلَى جميع فنون الطبيعة وصنف كتبًا كثيرة مشهورة فِي فنون الحكمة وذهب فِيهَا إِلَى الرمز والإغلاق واشتهر جماعة من تلاميذه المتخرجين عَلَيْهِ وسادوا بانتسابهم إِلَيْهِ وَكَانَ يعلم الطالبين الفلسفة وهو ماش وسمى الناس فرقته المشائين وفوض فِي آخر عمره المفاوضة والتعليم والتدريس إِلَى أرشد أصحابه وانقطع إِلَى العبادة والاعتزال وعاش ثمانين سنة وَكَانَ أفلاطون فِي قديم يميل إِلَى الشعر وأخذ منه بخط متوفر ثُمَّ حضر مجلس سقراط فرآه يذم الشعر وأهله ويقول هي خيالات تشعر بالخلائق لا
1 / 20
عَلَى الحقيقة وطلب الحقائق أولي فتركه عند ذَلِكَ أفلاطون ثُمَّ انتقل إِلَى قول فيثاغورس فِي الأشياء المعقولة ويقال أنه عاش إحدى وثمانين سنة وعنه أخذ أرسطوطاليس وخلفه بعد موته وقال إسحاق أنه أخذ عن سقراط وتوفي أفلاطون فِي السنة الَّتِي ولد فِيهَا الإسكندر وعي السنة الثالثة عشر من ملك الأوخس وكان ملك مقدونية فِي ذَلِكَ الوقت فلبس وهو أبو الإسكندر.
وَقَدْ ذكر ثاؤن مَا صنفه أفلاطون من الكتب ورتبه وهو كتاب السياسة فسره حنين بن إسحاق فِي كتاب النواميس ثقله حنين ويحيى بن عدي وَكَانَ يسمي كتبًا بأسماء الرجال الطالبين لَهَا وهي فِي فنون متعددة منها. كتاب الجنس فِي الفلسفة. كتاب لاخس فِي الشجاعة. كتاب أرسطوطاليس فِي الفلسفة. كتاب خرميذس فِي العفة. كتابان سماهما الفيناذس فِي الجميل. كتاب أوثوذيمس فِي الحكمة. كتابان سماهما اقتاه. كتاب غورجياس. كتاب أوتوفرن. كتاب أسين. كتاب فاذن. كتاب قريطن. كتاب ثالطلطس. كتاب قيلوطوقن. كتاب قراطولس. كتاب سوفسطس. كتاب طيماؤس أصلحه يحيى بن عدي. كتاب فرمانيذس. كتاب فدرس. كتاب ماثن. كتاب مينس. كتاب أبرخيس. كتاب مانكسانس. كتاب أطليطغرس. كتاب طيماؤس ثلاث مقالات. كتاب المناسبات. كتاب التوحيد. كتاب فِي العقل والنفس والجوهر والعرض. كتاب الحس واللذة. كتاب مسطسطس. كتاب تأديب الأحداث كتاب أصول الهندسة وله رسائل موجودة. وقال ثاؤن أفلاطون يرتب كتبه فِي القراءة وهو أن يجعل كل مرتبة أربعة كتب يسمي ذَلِكَ رابوعًا وعُرفَ أفلاطون وشُهر فِي زمن أرطخشاشت من ملوك الفرس وهو المعروف بالطويل اليد وهو يشتاسف الملك الَّذِي خرج إِلَيْهِ زرداشت واله أعلم. وقال ثاؤن أن أفلاطون بن أرسطون بن أرسطوقليس من أهل أثنيس وكانت أمه فاريقطيوني ابنة غلوقون وكان من كلا الوالدين شريف الآباء وأمه هَذِهِ المذكورة من نسل سولن الَّذِي وضع نواميس لأهل أثينس ورد عليهم مدينة سلمينا الَّتِي انتزعها منهم أهل ماغارا وَكَانَ لسولون أخ يقال لَهُ ذرونيذس يذكره أفلاطون كثيرًا فِي شعره وَكَانَ لذرونيذس ابن يقال لَهُ أقريطس وَقَدْ ذكره أفلاطون فِي كتاب طيماؤس وابن أقريطس فلسخروس وابن المسخوري
1 / 21
غلوقن وابن غلوقن خرميذس وأخت خرميذس فاريقطيوني وتسمى أيضًا يقطعوني وأفلاطون ابنها فأفلاطون سادس من سولن وأما جنس أبيه أرسطون فإنه ينتهي فِي النسب إِلَى قودرس بن مالنتوس المنتسب إِلَى فيسذون وكان مالنتوس جده شجاعًا مقدامًا ذا رأي وخديعة ولما حارب أهل بواطيا أهل اثينس لفساد جرى بينهم ودامت الحرب فيما بينهم وقتل المقاتلة فيما بَيْنَ الفريقين ملّ كل وتحد منهم مَا هو فِيهِ وَكَانَ المستولي يومئذ عَلَى ملك بواطيا اقسانتس وَعَلَى اثينتس أوموطي فطلب اقسانتس مبارزة أوموطي فذل وَلَمْ يبارزه وجبن عن ذَلِكَ فخرج مالنتوس حدثنا أفلاطون من اثينس وقال أنا أبلوزه عَلَى شرط أن غلبته ملّكت فرضي أوطوي بذلك اقسالتس ملك بواطيا وبارزه مالنتوس بعد أفلاطون فلما تقاربا قال لَهُ مالنتوس انطلق ثُمَّ عد إليّ فلها حوّل اقسانتس وجهه ضربه مالنتوس من خلفه خدعة فقتله ومن ذَلِكَ الوقت عمل ذَلِكَ اليوم عيدًا عند أهل اثينتس وسمى عيد الخدعة وَكَانَ يسمى فِي ذَلِكَ الوقت باليونانية أبا طينوريا والآن يسمى أباطوريا وَكَانَ هَذَا الأمر سبب هَذَا العيد وابنه قودرس سلم نفسه إِلَى العدو ليخلص أهل مدينته ورضي بأن يلبس لباسًا رثًا وأم يموت دونهم.
ويونان يبالغون فِي أفلاطون ويعظمونه ويقولون كَانَ مولده إلهيًا وَكَانَ طالعه طالعًا جليلًا ويحكون فِي ذَلِكَ حكايات هي بالأسمار أشبه فأضربت عن ذكرها وقالوا أنه لما عزم عَلَى ترك الشعر الَّذِي كَانَ يعانيه ويبالغ فِي تعلمه عندما سمع عن سقراط مَا سمعه فِي أمره عزم عَلَى المضي إِلَى سقراط والأخذ عنه فلسفة فيثاغورس وذد كَانَ شاركه فِيهَا عَلَى فيثاغورس إِلاَّ أنه لَمْ يبالغ فِيهَا لاشتغاله بالشعر وأن سقراط رأى فِي المنام كَأَنَّ رخ كركي قاعد عَلَى حجره وأنه زغب وطلع ريشه للوقب فطار نحو السماء وهو يصوت بصوت إلهي مطرب جميع الناس فلما جاءه أفلاطون للتعلم تأوله ذَلِكَ الطائر وأن صوته وكلامه سيشغل الناس بهما عن غيرهما وَقَدْ قيل أنه فِي أول أمره اشتغل بالشعر إِلَى أن بلغ فِيهِ الغاية وصنف وسمع كلام فيثاغورس وهو ابن دون العشرين سنة ووضع كتبًا فِي الألحان ثُمَّ بعد ذَلِكَ أراد الفلسفة فمشى إِلَى أصحاب أراقليطوس وَكَانَتْ لهم طريقة فِي الفلسفة وهي اليوم مجهولة فسمع منهم وتحقق أن طريقتهم فِي الحكمة يتعين
1 / 22
عَلَيْهَا الرد وأراد أن يجاهد نفسه فِي طلب الفلسفة الحقيقية فقصد سقراط لأن فيثاغورس كَانَ قَدْ مات وتصدر بعده سقراط فصادف سقراط وهو يخطب الجماعة المجتمعة إِلَيْهِ وَكَانَ قَدْ جمعهم إِلَيْهِ ذبونوسيوس فلما سمع كلامه حرص كل الحرص عَلَى طلب الحكمة الفيثاغورية وترك مَا كَانَ عَلَيْهِ وأحرف كتب الشعر والأحاديث وأنشأ يقول:
يَا أَيُّها أدنى من أفلاطون ... فإن بِهِ الآن إِلَيْكَ حاجة مَا
وهذه طريقة الشعر اليوناني وَكَانَ عمره إذ ذَاكَ عشرين سنة وسمع من سقراط بعد ذَلِكَ ولازمه مدة خمسين سنة حَتَّى بلغ فِي الأمور العقلية إِلَى منزلة فيثاغورس وَفِي سياسة المدينة الفاضلة إِلَى مرتبة سقراط وشهد لَهُ بذلك أهل العلم فِي زمانه وَكَانَ لرغبته فِي العلم شديد الطلب لَهُ كثير الحث والبحث فِي تحصيله منفقًا فِي تحصيل الكتب بما يمكنه حَتَّى أنه أمر ديون أن يبتاع لَهُ من فيلولاؤس ثلاثة كتب مخزونة عنده من كتب فيثاغورس فابتاعها لَهُ بمائة دينار ولشدة طلبه فِي العلم وحرصه عَلَى جميع الكتب سافر إِلَى صقلية ثلاث دفعات ليحصل عَلَى أسرار حكمة الأمور الإلهية فأول دفعة سافر فِيهَا إِلَيْهَا كَانَ لعزمه أن يري النار الَّتِي تخرج هناك من الأرض دائمًا تخف فِي الصيف وتزيد فِي الشتاء وَكَانَ المستولى عَلَى صقلية فِي ذَلِكَ الوقت رجل يوناني قَدْ تغلب عَلَيْهَا اسمه دبونوسيوس وَكَانَ جبارًا قَدْ ملك البلاد باليد لا بالإعالة ولما سمع بقدوم أفلاطون أمر بإحضاره فلما حضر إِلَيْهِ صادف عنده سقراط وَقَدْ جمع لَهُ علماء الجزيرة وهو يخطبهم عَلَى مَا تقدم ذكره وشرحه ولما حضر أفلاطون المجلس طلب منه جبار صقلية هَذَا المذكور أن يتكلم بشيء من خطبه وشعره فخطب خطبًا كثيرة بحضرته وَكَانَ فصيحًا عذب الألفاظ محكمًا لما يورده من طريقته الَّتِي هو عَلَيْهَا وقال فِي بعض خطبه أن أجود السير وأفضلها الَّتِي تكون عَلَى الناموس والسنن وطن الجبار ذيونوسيوس أنه قصده بهذا القول لأجل تغلبه بغير استحقاق لما وليه فأسرها فِي نفسه وَلَمْ يبدها وَكَانَ هَذَا الجبار يعاني الشعر وشيئًا من الحكمة الغير محققة وَلَهُ تلاميذ فِي ذَلِكَ وأصحاب وإذا سمع بعالم تحيل فِي إحضاره ومناظرته وإقامة الحجة عَلَى صحة قصده الَّذِي هو عَلَيْهِ
1 / 23
واتفق أن قال لأفلاطون هلا ترى فِي أصحابي سعيدًا وظن أن أفلاطون سيقول بحضور الجمع أنك سعيد فيحصل لَهُ بهذا القول مرتبة توجب لَهُ الاستحقاق لما تغلب عَلَيْهِ فقال لَهُ أفلاطون غير محاش لَهُ لَيْسَ فِي أصحابك سعيد فسأله بعد ذَلِكَ وقال فهل ترى أنه كَانَ من القدماء سعيد فقال كَانَ فيهم سعداء غير مشهوريين وأشقياء اشتهروا وعناه بذلك فأسرها الجبار وَلَمْ يبدها لَهُ ثُمَّ قال لَهُ الجبار فأراك علي هَذَا القول لا ترى أن أرقليس من أهل السعادة أيضًا وأرقليس هَذَا كَانَ شاعرًا من شعراء يونان وَكَانَ قَدْ عمل أشعارًا وذكر فِيهَا هَذَا الجبار ووصفه ولحّن تِلْكَ الأشعار وجعلها فِي هياكل جزيرة صقلية يذكر بِهَا فِي كل وقت وَكَانَ هَذَا الجبار يعظم الشعر والشعراء لأجل ذَلِكَ يثبت لمدحه أصلًا فقال لَهُ أفلاطون مجيبًا عن سؤاله أن كنا ترى أن أرقليس كَانَ كالذي ينبغي أن يكون من كَانَ من نسل أذيا يعني المشترى فباضطرار ينبغي أن تظن بِهِ أنه سعيد وأما إِن كَانَ كما وصفتموه أنتم معاشر الشعراء وَكَانَتْ سيرته عَلَى مَا تذكرون فإنه عندي من الأشقياء وذوي رداءة البخت فلما سمع ذبونوسيوس الجبار منه هَذَا القول لَمْ يحتمل جرأته وأمر بِهِ فدفع إِلَى بوليذس الَّذِي كَانَ من أهل الاقاذامونيا وَكَانَ قَدْ وفد عَلَى هَذَا الجبار ليهادنه عَلَى بلاده وأمره الجبار بقتل أفلاطون فأخذه بوليذ وذهب بِهِ إِلَى أثينا مدينته وأبقى عَلَيْهِ وَلَمْ يقتله وباعه من رجل من أهل النهروان اسمه أناقرس وَكَانَ هَذَا الرجل يحب أفلاطون وينشبه بأخلاقه وإن لَمْ يره قبل ذَلِكَ وإنما كَانَ يسمع مَا يُنقل إِلَيْهِ من أخباره وَكَانَ الثمن الَّذِي ابتاعه بِهِ ثلاثين مناقضة وَكَانَ لذيونوسيوس الجبار نسيب اسمه ذيون قَدْ حضر مجالس أفلاطون بصقلية وسمع كلامه ومال إِلَيْهِ كل ميل ولما سمع مَا جرى عَلَى أفلاطون عزّ عَلَيْهِ وَلَمْ يمكنه مجاهرة الجبار فسيَّر فِي السر ثمن أفلاطون وهو ثلاثون منًا إِلَى النهرواني مبتاعه وسأل بيعه منه فلم يفعل النهرواني ذَلِكَ وقال هَذَا حكيم مطلق لنفسه وإنما وزنت المال لأنقذه من أسره وسيصير إِلَى بلاده فِي سلامة وخير فلما سمع ذيون نسيب الجبار هَذَا القول استرجع الثمن وسيره إِلَى أقاذاميا واشترى بِهِ بساتين هناك ووهبها لأفلاطون فمنها كَانَتْ معيشته مدة حياته ولما تحقق ذيونزسيوس خلاص أفلاطون وسلامته ندم
عَلَى فعله وتحيل
1 / 24
فِي استصلاحه وكتب إِلَيْهِ يستميله وتعذر إِلَيْهِ من فعله ويسأله أن لا يذكره بشر فِي خطبه وأشعاره فأجابه أفلاطون بأن قال لَيْسَ عندي هَذَا الفراغ ولا يمكنني أن أتفرغ لَهُ ولا أجد زمانًا خاليًا أذكر فِيهِ ذيونوسيوس وسار أفلاطون إِلَى صقلية مرة ثانية ليأخذ من الجبار المقدم ذكره كتابًا فِي النواميس كَانَ وعده بِهِ وَلَمْ يعطه إياه وَكَانَ أفلاطون قَدْ عزم عَلَى تصنيف كتاب فِي السير وهذا الكتاب من مواده فلما وصل إِلَى صقلية وجد ذيونوسيوس الجبار مضطرب الأمر ذد فسدت عَلَيْهِ البلاد والرجال وهو فِي شغل عما قصده بسببه فتركه وعاد ثُمَّ سار إِلَى صقلية دفعة ثالثة وسببه أن ذيون نسيب الجبار قام عَلَيْهِ وتغلب عَلَى أكثر البلاد وَكَانَ ام يستولي وعلم أفلاطون بذلك فسار مصلحًا بَيْنَ الجبار ذيونوسيوس ونسيبه ذيون لعلمه بمحبة ذيون لَهُ وقبوله من قوله وَكَانَ أفلاطون يرى أن إصلاح المدن من الفساد الداخل عَلَيْهَا من المتكلمين لازم لَهُ من طريق الحكمة والسياسة المدنية ويريد بذلك إيصال الراحة إِلَى الرعية فلما وصل إِلَى صقلية أصلح بَيْنَ الرجلين ونزل كل واحد منهما منزلته ووعظهما فاتعظا وعاد إِلَى بلاده وَقَدْ كَانَ أهل بلاده اثينس عَلَى سيرة وسياسة لا يرضاها أفلاطون فقيل لَهُ لِم لَمْ تغيرها فقال هَذِهِ سياسة قديمة قَدْ مرَّت عَلَيْهَا الدهور ونقلهم عنها فِيهِ عناء شديد وربما أدى إِلَى قيل وقال أحتاج أن أستعين فِيهِ عَلَى قومي بغيرهم فيكون ذَلِكَ سبب هلاكهم بوساطتي فلا أفعل ثُمَّ حبسهم فثاروا فسكنهم وثبتهم وتركهم عَلَى مَا هم عَلَيْهِ وانبسط عذره عند من قال لَهُ مَا قال ولازم مدرسته وارتزق من مغل البساتين وتزوج امرأتين إحداهما يقال لَهَا الستانيا من بلاد ارقاديا والأخرى اقسوئيا بلاد فليوس وَكَانَتْ نفسه فِي التعليم مباركة تخرج عَلَيْهِ جماعة علماء اشتهروا من بعده فمنهم اسبوسبتوس من أهل أثينس وهو ابن أخت أفلاطون واقسنوطراطيس من أهل خلقيدونا وأرسطوطاليس من أهل اسطاغيرا وبرقلوس من أهل نيطس واسطياؤس من بارنتوس وارخوطس من أهل طارلطيني وذيون من سوراقوسا وامقلاس من أهل اسطنادس وأرسطوس وقورسقس من أهل اسكبسيس وطيمالاؤس من أهل قوزيقوس وأواؤن من لمساقون ومناديموس من أهل أراثرس وأراقليدس من إيوس وتيانالس وقالبّوس من أينس وديمطريوس من انفيبوليس وغير هؤلاء كثير وَكَانَ أفلاطون إِذَا حضره أصحابه للتعلم قام عَلَى رجليه وألقى عليهم الدروس من العلم وهو يمشي حول البساتين الَّتِي وقفها عَلَيْهِ ذيون فيأخذون عنه مَا يلقيه عليهم وهم عَلَى تِلْكَ الحالة فسموا المشائين بذلك. فعله وتحيل فِي استصلاحه وكتب إِلَيْهِ يستميله وتعذر إِلَيْهِ من فعله ويسأله أن لا يذكره بشر فِي خطبه وأشعاره فأجابه أفلاطون بأن قال لَيْسَ عندي هَذَا الفراغ ولا يمكنني أن أتفرغ لَهُ ولا أجد زمانًا خاليًا أذكر فِيهِ ذيونوسيوس وسار أفلاطون إِلَى صقلية مرة ثانية ليأخذ من الجبار المقدم ذكره كتابًا فِي النواميس كَانَ وعده بِهِ وَلَمْ يعطه إياه وَكَانَ أفلاطون قَدْ عزم عَلَى تصنيف كتاب فِي السير وهذا الكتاب من مواده فلما وصل إِلَى صقلية وجد ذيونوسيوس الجبار مضطرب الأمر ذد فسدت عَلَيْهِ البلاد والرجال وهو فِي شغل عما قصده بسببه فتركه وعاد ثُمَّ سار إِلَى صقلية دفعة ثالثة وسببه أن ذيون نسيب الجبار قام عَلَيْهِ وتغلب عَلَى أكثر البلاد وَكَانَ ام يستولي وعلم أفلاطون بذلك فسار مصلحًا بَيْنَ الجبار ذيونوسيوس ونسيبه ذيون لعلمه بمحبة ذيون لَهُ وقبوله من قوله وَكَانَ أفلاطون يرى أن إصلاح المدن من الفساد الداخل عَلَيْهَا من المتكلمين لازم لَهُ من طريق الحكمة والسياسة المدنية ويريد بذلك إيصال الراحة إِلَى الرعية فلما وصل إِلَى صقلية أصلح بَيْنَ الرجلين ونزل كل واحد منهما منزلته ووعظهما فاتعظا وعاد إِلَى بلاده وَقَدْ كَانَ أهل بلاده اثينس عَلَى سيرة وسياسة لا يرضاها أفلاطون فقيل لَهُ لِم لَمْ تغيرها فقال هَذِهِ سياسة قديمة قَدْ مرَّت عَلَيْهَا الدهور ونقلهم عنها فِيهِ عناء شديد وربما أدى إِلَى قيل وقال أحتاج أن أستعين فِيهِ عَلَى قومي بغيرهم فيكون ذَلِكَ سبب هلاكهم بوساطتي فلا أفعل ثُمَّ حبسهم فثاروا فسكنهم وثبتهم وتركهم عَلَى مَا هم عَلَيْهِ وانبسط عذره عند من قال لَهُ مَا قال ولازم مدرسته وارتزق من مغل البساتين وتزوج امرأتين إحداهما يقال لَهَا الستانيا من بلاد ارقاديا والأخرى اقسوئيا بلاد فليوس وَكَانَتْ نفسه فِي التعليم مباركة تخرج عَلَيْهِ جماعة علماء اشتهروا من بعده فمنهم اسبوسبتوس من أهل أثينس وهو ابن أخت أفلاطون واقسنوطراطيس من أهل خلقيدونا وأرسطوطاليس من أهل اسطاغيرا وبرقلوس من أهل نيطس واسطياؤس من بارنتوس وارخوطس من أهل طارلطيني وذيون من سوراقوسا وامقلاس من أهل اسطنادس وأرسطوس وقورسقس من أهل اسكبسيس وطيمالاؤس من أهل قوزيقوس وأواؤن من لمساقون ومناديموس من أهل أراثرس وأراقليدس من إيوس وتيانالس
1 / 25