Indecency: The Deeds of the People of Lot

Muhammad bin Ibrahim Al-Hamad d. Unknown

Indecency: The Deeds of the People of Lot

الفاحشة عمل قوم لوط

ناشر

دار ابن خزيمة

شماره نسخه

الأولى ١٤١٥هـ

سال انتشار

١٩٩٤مـ

ژانرها

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على من حذر أمته من مضلات الفتن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه ربه بأحسن سبيل وأفضل كتاب، وأقوم سنن ﵌ تسليما كثيرا أما بعد: فإن عمل قوم لوط أعظم الفواحش على الإطلاق، وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق، فهو داء عضال وسم قتال، متناه في القبح والبشاعة غاية في الخسة والشناعة، وهو شذوذ منحرف، وارتكاس في الطباع، يمجه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية، وترفضه وتمقته الشرائع السماوية؛ لما له من عظيم الأضرار، وما يترتب عليه من جسيم الأخطار فآثاره السيئة يقصر دونها العد، وأضراره المدمرة لا تقف عند حد، فشأنه خطير، وشره مستطير، يفتك بالأفراد، وينهك المجتمعات، ويمحق الخيرات والبركات، ويتسبب في حلول العقوبات والمثلات. ولعظم هذه الجريمة ولما لها من الآثار الوخيمة - تظاهرت نصوص الكتاب والسنة محذرة منها، ومن سلوك السبل المفضية إليها، مبينة عقوبة الأمة التي ابتدعتها، موضحة أن تلك العقوبة ليست من الظالمين ببعيد. وكذلك السلف الصالح - رضوان الله عليهم - تكلموا على هذه الجريمة، وحذروا منها وألفوا فيها، فالكتابة فيها والتحذير منها ليس بدعا من القول؛ بل إنه مما ينبغي أن ينبري له من يكتب فيه ويحذر منه، بدلا من

1 / 5

تركه يستشري في الناس، والضرب صفحا عن الكتابة فيه بحجة أن النفوس تأنف من ذكره، ولا تحب سماعه! وهذا - ولا شك - خطأ واضح وخلل فادح، فطالما أن المنكر عم خطره واستطار شرره - كان من الواجب إنكاره وصده والوقوف في وجهه أو - على الأقل - التقليل من خطره، فلقد تفشى هذا العمل القبيح في هذه الأعصار، وانتشر في كثير من الأمصار التي تدعي المدنية والحضارة والتقدم، فنظام بعض الدول - عياذا بالله - يبيح عقد النكاح للرجل على الرجل، بل إن شأن الشاذين قد علا، وصوتهم قد ارتفع، فرفعوا عقيرتهم مطالبين بحقوقهم، فأصبح لهم من جراء ذلك محطات إذاعية، وأصوات في الانتخابات، بل إن بعض الجامعات خصصت منحا دراسية للشاذين، كما أصبح هناك أحياء لهم خاصة بهم. وعندما فشت تلك الفاحشة عندهم، وأعلنوا بها، وتمردوا على أحكام الله الشرعية فعطلوها ونبذوها وراءهم ظهريا - سلط الله عليهم عقوباته القدرية، ففشت فيهم الأمراض المستعصية، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ففتكت بهم، وأثارت الذعر في نفوسهم، وأصبحوا يبحثون عن المخرج، ويسعون للعلاج، وكلما وجدوا عقارا نافعا، أو علاجا ناجعا لمرض من الأمراض - نزل بساحتهم مرض جديد، فذهلوا به عن الأول، مما جعلهم يقفون واجمين متحيرين أمام هذا الخضم الموار، من تلك الشرور والأخطار، ومهما يك من شيء فإننا لا نستغرب أن تنتشر الفاحشة في مجتمعات الكفار، ذلك لأنهم كفروا بالله ﷿ وليس بعد الكفر ذنب. ولكن المصيبة العظمى والطعنة النجلاء أن ينتقل هذا الداء العياء إلى

1 / 6

بلاد المسلمين، وينتشر فيها، ويستشري في أبنائها. ولم يكن ذلك ليحصل إلا لأسباب ستمر معنا في ثنايا البحث - إن شاء الله - ولعل من أبرزها أن كثيرا من المسلمين نسوا حظا مما ذكروا به، واتبعوا سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة. ولما كان انتشاره في بلاد المسلمين نذير شؤم ومؤذن بلاء وعقوبة - كان واجبا على كل مسلم - بحسب قدرته وطاقته - أن يسعى في الوقوف أمامه، وأن يحاول صده، والحد من انتشاره. لذا تطفلت - بجهد المقل - بهذا البحث سائلا المولى أن ينفع به، وأسميته: «الفاحشة (عمل قوم لوط) الأضرار - الأسباب - سبل الوقاية والعلاج» . وقد جاء هذا البحث بعد هذه المقدمة على النوح التالي: الفصل الأول: وتحته خمسة مباحث: المبحث الأول: تعريف عمل قوم لوط، وأسماؤه الأخرى. المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في عمل قوم لوط. المبحث الثالث: تحريمه وعقوبة مرتكبه. المبحث الرابع: الآثار الواردة في ذمه. المبحث الخامس: أول من ابتدعه. الفصل الثاني: أضرار عمل قوم لوط وتحته ستة مباحث: المبحث الأول: أضراره الدينية. المبحث الثاني: أضراره الخلقية. المبحث الثالث: أضراره الاجتماعية. المبحث الرابع: أضراره الاقتصادية. المبحث الخامس: أضراره النفسية. المبحث السادس: أضراره الصحية.

1 / 7

الفصل الثالث: أسباب وقوع اللواط: وتم فيه الحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى وقوع تلك الجريمة، سواء الأسباب الخاصة المباشرة، التي تعود إلى ذات الأشخاص الذين يقعون فيها، أو الأسباب العامة غير المباشرة، التي قد تتسبب في وقوع تلك الجريمة. الفصل الرابع: سبل الوقاية والعلاج وتحته مبحثان: المبحث الأول: السبل العامة للوقاية والعلاج من اللواط. المبحث الثاني: سبل الوقاية والعلاج للمبتلين باللواط. خاتمة البحث: وهي تحوي ملخصا لأهم ما ورد في هذا الكتاب. هذا ما تيسر جمعه وتقييده، وهذا جهد المقل، فما كان فيه من صواب فذلك فضل الله، وما كان فيه من زلل أو خطل - فمن نفسي والشيطان، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ . [هود، ٨٨] . وأخيرا هذه صيحة نذير، وصرخة تحذير، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعلم بها جاهلا، أو ينبه بها غافلا، أو يذكر ناسيا، أو يحرك متوانيا. كما أسأله ﷿ أن يجزي خير الجزاء كل من مد يد العون لي في هذا المبحث، ويجعل ذلك في ميزان حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، كما آمل ممن يقرأ هذا الكتاب أن يوافيني بملاحظاته واستدراكاته، وله الدعاء والشكر. كما ألتمس العذر من القراء الكرام إن كان في ثنايا هذا الكتاب ما يؤذي أسماعهم، أو يحزن قلوبهم، ولكن الحرص على الإبلاغ، والرغبة في محض النصح - هما اللذان حملاني على طرق هذا الموضوع بوضوح وصراحة، وإن كان في جعبتي أمور أخرى، لم تطق شباة القلم أن تخطها، فآثرت تركها

1 / 8

والإعراض عن ذكرها؛ لثقلها الشديد على النفس، ولئلا أوصم بالمبالغة والتهويل، من قبل من لا يدرك أبعاد هذا الداء الوبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا. محمد بن إبراهيم الحمد الزلفي ٢٥/٩/١٤١٤ هـ ١١٩٣٢ - ص ب ٤٦٠

1 / 9

الفصل الاول المبحث الأول: تعريف عمل قوم لوط، واسماؤه الاخرى ... المبحث الأول: تعريف عمل قوم لوط وأسماؤه الأخرى تعريف عمل قوم لوط عرف هذا العمل بعدة تعريفات نذكر منها ما يلي: ١ - عرف بأنه: «إتيان الذكور في الدبر» ٢ - وعرف بأنه: «اكتفاء الرجال بالرجال» . ٣ - وعرف بأنه «وطء الذكر الذكر» ٢. أسماؤه الأخرى لهذا العمل القبيح عدة أسماء يعرف بها، منها: ١ - الفاحشة: فلقد سماها الله ﷿ هذه التسمية - الفاحشة - كما في قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ . [الأعراف: ٨٠] . والفاحشة كل خصلة تناهت في القبح، ولا شك أن هذه الفعلة متناهية في القبح، وأل في قوله - تعالى ـ: ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ تفيد العهد الذهني؛ فكأن هذه الفعلة هي الفاحشة المعهودة التي استقر فحشها عند كل أحد.

١ قرع السياط في قمع أهل اللواط للسفاريني، ص ٢٨ ٢ الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ ابن عثيمين، ١/٢٧٥

1 / 13

٢ - عمل قوم لوط: نسبة إلى قوم لوط ﵇ فهم الذين أحدثوه، وابتدعوه. ٣ - اللواط: قال ابن منظور:" لاط الرجل لواطا، ولاوط أي عمل عمل قوم لوط". قال الليث:" لوط كان نبيا بعثه الله إلى قومه فكذبوه، وأحدثوا ما أحدثوا، فاشتق الناس من اسمه فعلا لمن فعل فعل قومه" ١ وقال السفاريني:"وفلان لوطي، أي يتعاطى عمل قوم لوط" ٢. وهناك من يعترض على هذه التسمية؛ بحجة أنه لم يقم عليها دليل من الكتاب والسنة، وأنه لا يجوز أن تنسب هذه الجريمة إلى لوط ﵇ ٣. إلا أن جل العلماء الذين تكلموا عن هذه الجريمة نصوا على تسميتها باللواط، وممن نص على هذه التسمية الإمام الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري في كتابه: ذم اللواط. وكذلك الإمام الآجري في كتابه: تحريم اللواط وممن نص عليها - أيضا - شيخ الإسلام ابن تيمية ٤، والإمام ابن القيم ٥، والحافظ ابن رجب الحنبلي ٦ - رحمهم الله تعالى ـ.

١ لسان العرب لابن منظور ٧/٣٩٦ ٢ قرع السياط ص ٢٨. ٣ انظر مقدمة المحقق الأخ راشد الغفيلي لكتاب قرع السياط ص ١٤ - ١٥. ٤ انظر الاستقامة لشيخ الإسلام ٢/١٨٧ و١٩٤. ٥ انظر الجواب الكافي لابن القيم ٢٣٨ـ ٢٤٨، وإغاثة اللهفان لابن القيم ص ٧٠ـ٧١. ٦ انظر جامع العلوم والحكم ١/٣٢٠.

1 / 14

٤ - الشذوذ الجنسي: وهذه تسمية أخرى لهذه الجريمة؛ لأنها شذوذ منحرف، وانتكاس في الفطرة، وارتكاس في الطباع. ٥ - الجنسية المثلية: وهذا من أسمائها - أيضا - فقد سماها بعض الباحثين بهذه التسمية؛ لأنها تمثل الانجذاب، أو الميل نحو نفس الجنس١ ٦ - صادومية: فمما يلاحظ أن بعض الكتاب يستعملون كلمة "صادومية" للتعبير عن اللواط،"وهذه الكلمة مشتقة كما يبدو من اسم "صدوم" إحدى مدن قوم لوط، التي شاع فيها هذا الشذوذ الآثم» ٢. ٧ - المدابرة: لأن هذا العمل عبارة عن إتيان الرجال في أدبارهم.

١ انظر الانحرافات الجنسية وأمراضها د/ فائز الحاج ص ٢٥. ٢ الإسلام والجنس، فتحن يكن، ص ٤٧، والإسلام والتربية، د: وجيه زين العابدين، ص٦٩ـ٧٠

1 / 15

المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في عمل قوم لوط ... المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في علم قوم لوط ألف في ذم عمل قوم لوط كتب عديدة، في القديم وفي الحديث، فمما ألف فيه من الكتب ما يلي: ١ - ذم اللواط: للإمام الحافظ أبي محمد الهيثم بن خلف الدوري - رحمه الله تعالى - المتوفى سنة ٣٠٧ هـ. ٢ - تحريم اللواط: للإمام الحافظ أبي بكر محمد بن الحسين الآجري - رحمه الله تعالى - المتوفى سنة ٣٦٠ هـ، وهذان الكتابان حافلان بذكر الآثار في ذم هذا العمل، من الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح، وقد جمعا في كتاب واحد اسمه «كتابان في اللواط» وقد جمعهما، وحققهما، وخرج أحاديثهما الشيخ الأخ خالد بن محمد بن علي بن عنبر، وقد قدم لهما بمقدمة، درس من خلالها ظاهرة الشذوذ الجنسي دراسة علمية رائعة. ٣ - القول المضبوط في تحريم فعل قوم لوط: تأليف شمس الدين محمد بن عمر الغمري الواسطي - رحمه الله تعالى - ٧٨٦ - ٨٤٩ هـ، وقد حققه عبد الله المصري الآثري. ٤ - قرع السياط في قمع أهل اللواط: تأليف الشيخ العلامة: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني ﵀

1 / 16

تعالى - ١١١٤ - ١١٨٩ هـ، وقد حقق هذا الكتاب الأخ الشيخ راشد ابن عامر الغفيلي. وممن تكلم على هذه الجريمة في ثنايا كتبه الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - كما في كتابه: «ذم الهوى» . وكذلك العلامة ابن القيم في مواطن كثيرة من كتبه مثل: «إغاثة اللهفان» و«الجواب الكافي» و«روضة المحبين» . وفي العصور المتأخرة ألف كتب عديدة تناولت هذا الموضوع، وبينت أضراره المتنوعة منها: ١ - مضار اللواط وخبث اللوطية. للشيخ محمد بن سليمان العليط. ٢ - خطر الجريمة الخلقية - الزنا - اللواط: للشيخ عبد الله الجار الله. ٣ - الانحرافات الجنسية وأمراضها. د. فائز الحاج ٤ - الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها. د. محمد علي البار. ٥ - الأمراض الجنسية عقوبة إلهية. د. عبد الحميد القضاة. وغيرها كثير، خصوصا تلك الكتب التي تناولت هذا الموضوع من الناحية الطبية والصحية. وسيمر معنا في ثنايا هذا الكتاب شيء من ذلك.

1 / 17

المبحث الثالث: تحريمه وعقوبة مرتكبه " تحريم اللواط معلوم بالكتاب والسنة، والإجماع، قال تعالى: ﴿أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين﴾ . (الأعراف: ٨٠) . وسماهم معتدين ومسرفين، ولعن رسول الله ﷺ الفاعل والمفعول به" ١ وقد أجمع الصحابة ﵃ على قتل مرتكب هذه الكبيرة، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم، كابن قدامة وابن القيم ٢. ولم يختلف الصحابة ﵃ في القتل، وإنما وقع الاختلاف في كيفيته؛ فقال بعضهم: يقتل بالسيف، وقال بعضهم: يرمى بالحجار، وقال بعضهم: يحرق بالنار، وقال بعضهم: يرفع على أعلى بناء في القرية فيرمى منه منكسا، ثم يتبع بالحجارة ٣. قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله ـ:"وأما صفة القتل - فإن الذي يظهر لي أيضا - والله أعلم - هو أن هذا عائد إلى رأي الإمام من القتل بالسيف، أو رجما بالحجارة، ونحو ذلك حسب مصلحة الردع والزجر والله أعلم" ٤

١ حاشية الروض المربع لابن قاسم ٧/٣١٨ ٢ انظر المغني لابن قدامة ١٠/١٦٠ـ١٦٢، والجواب الكافي لابن القيم ص٢٤٠. ٣ انظر الجواب الكافي ص٢٤١، وحاشية الروض ٧/٣١٨ـ٣١٩، وفقه السنة لسيد سابق ٢/٣٨٦ـ٣٨٨. ٤ الحدود والتعزيزات عند ابن القيم للشيخ بكر أبو زيد ص١٨٩.

1 / 18

وهذا الحكم يشمل الفاعل والمفعول به، سواء كانا بكرين أو ثيبين عند جمهور العلماء١ ودليل هذا القول قوله ﷺ: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" ٢. قال الشيخ بكر أبو زيد تعليقا على هذا الحديث:"ووجه الدلالة من هذا الحديث - نصية على قتل الفاعل والمفعول به، وليس فيه تفصيل لمن أحصن أو لم يحصن، فدل بعمومه على قتله مطلقا" ٣.

١ انظر الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ٢/١٨٧، والجواب الكافي ص٢٣٨ـ٢٣٩، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٢٢١، وأضواء البيان للشنقيطي ٣/٤٠ـ٤٥. ٢ أخرجه أبو داود برقم ٤٢٩٧ وابن ماجة برقم ٢٥٦١، والحاكم ٤/٣٥٥، وصححه ووافقه الذهبي، والترمذي برقم ١٤٥٦، وقال ابن القيم: إسناده على شرط البخاري، انظر الجواب الكافي ص١٤١، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٦٥٨٩. ٣ الحدود والتعزيزات ص ١٧٩.

1 / 19

المبحث الرابع: الآثار الواردة في ذمه ورد في ذم عمل قوم لوط آثار عديدة من الكتاب والسنة، كما ورد ذلك في أقوال السلف الصالح. فلقد قص الله ﷿ شأنهم في سور عديدة من القرآن الكريم، كما في سورة الأعراف [٨٠ - ٨٤] وهود [٧٧ - ٨٣]، والحجر [٥٧ - ٧٧]، والأنبياء [٧٤ - ٧٥]، والشعراء [١٦٠ - ١٧٥]، والنمل [٥٤ - ٥٨]، والعنكبوت [٢٨ - ٣٥]، والصافات [١٣٣ - ١٣٨]، والقمر [٣٣ - ٣٩] . ومما ورد في ذم هذا العمل من السنة قول النبي ﷺ: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط"١ وقوله: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط" ٢ ومما ورد عن السلف الصالح في ذمه قول الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى ـ:"لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر" ٣.

١ أخرجه أحمد ١/٣٠٩، والحاكم ٤/٣٦٥، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ٢٨١٧. ٢ أخرجه أحمد ٣/٣٨٢، والترمذي برقم ١٤٥٧، وقال: حسن غريب، وابن ماجه برقم ٢٥٦٣، والحاكم في مستدركه ٤/٣٥٧، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وأخرجه الدوري في ذم اللواط برقم ٥٥، والآجري في تحريم اللواط برقيم ١٢، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم ١٥٥٢. ٣ ذم اللواط للدوري، ص ١٤٢، وقال المحقق: إسناده حسن.

1 / 20

ومما قيل في ذمه: فيا ناكحي الذكران تهينكم البشرى ... فيوم معاد الله إن لكم أجرا كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وأكثروا ... فإن لكم زفا إلى ناره الكبرى فإخوانكم قد مهدوا الدار قبلكم ... وقالوا إلينا عجلوا لكم البشرى وها نحن أسلاف لكم في انتظاركم ... سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى ولا تحسبوا أن الذين نكحتموا ... يغيبون عنكم بل ترونهم جهرا ويلعن كل منكم لخليله ... ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى يعذب كل منهم بشريكه ... كما اشتركا في لذة توجب الوزرا ١

١ الجواب الكافي ص ٢٤٥ـ٢٤٦.

1 / 21

المبحث الخامس: أول من ابتدعه أول من ابتدع هذا العمل القبيح - هم قوم لوط ﵇ قال - تعالى ـ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ . [الأعراف: ٨٠] . قال السفاريني - رحمه الله تعالى ـ:"وأما أول من ابتدعه فقوم لوط - قبحهم الله - يروى أن أهل المؤتفكات كانوا من أجمل الناس، وكانوا أهل كرم وعطاء، فأصابهم القحط، فجاءهم إبليس اللعين وقال: إنما أصابكم ذلك لكرمكم أو نحو ذلك، فقالوا له كيف السبيل إلى المنع؟ قال: اجعلوا السنة - أي العادة - بينكم إذا دخل رجل إلى بلدكم غريب - سلبتموه، ونكحتموه في دبره، فإذا فعلتم ذلك - لم تقحطوا، فعزموا على ذلك، وخرجوا إلى ظاهر البلد يطلبون من يفجرون به، فتمثل لهم إبليس اللعين في صورة غلام أمرد حسن ففجروا كما علمهم، فطاب لهم ذلك، حتى صار عادة لهم في كل غريب، ثم فشا فنفذ إلى أهل البلد أيضا، فظهر ذلك فيهم من غير إنكار، ولا انتقام. فأرسل الله - سبحانه - إليهم لوطا ﵇ وكان أكبر المدن سدوم، وأسماء بقيتها: صاصورا، وصابورا، ودوسة، وعامورا. فعلمنا أن من فعل الفاحشة - فسلفة فيها إبليس وقوم لوط. قلت: - ولا يزال الكلام للسفاريني ـ: ورأيت في بعض التواريخ أن إبليس لما أهبط لاط بنفسه فعلى هذا هو أول لائط وملوط به" ١

١ قرع السياط في قمع أهل اللواط ص ٢٩ـ٣١، والظاهر أن هذه الرواية من أخبار بني إسرائيل فلا نصدق بها ولا نكذب، أما قوله: «ورأيت في بعض التواريخ» ..إلخ، فهذا مخالفة لقوله تعالى عن قوم لوط: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ . [الأعراف:٨٠]، والله أعلم.

1 / 22

الفصل الثاني: أضرار عمل قوم لوط المبحث الأول: أضراره الدينية ... أضرار عمل قوم لوط لعمل قوم لوط أضرار كثيرة جدا يقصر دونها العد والإحصاء، والبحث والاستقصاء، وذلك على الأفراد والجماعات في الدنيا والآخرة. وهذه الأضرار متعددة، ومتشعبة، ومتنوعة، فأضراره دينية، وخلفية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وصحية، وإليك بعض التفصيل في ذلك. المبحث الأول: أضراره الدينية أما أضراره الدينية - فلأنه كبيرة من كبائر الذنوب، وسبب للبعد من علام الغيوب، ولأنه جرم عظيم حذر منه ربنا - جل وعلا - وعاقب الأمة التي فعلته بأقسى وأنكى العقوبات، فهو سبب لمقت الله وأليم عقابه، وأخذه الشديد في الدنيا والآخرة، بل هو خطر على التوحيد؛ إذ أنه ذريعة للعشق، والعشق ذريعة للشرك والتعلق بغير الله - جلا وعلا ـ. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - بعد أن تحدث عن الذنوب والمعاصي وأن التوحيد يمحوها، ويزيل نجاستها، قال: «ولكن نجاسة الزنا واللواطة - أغلظ من غيرها من النجاسات؛ من جهة أنها تفسد القلب،

1 / 25

وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة - أكثرهم شركا، فكلما كان الشرك في العبد أغلب - كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصا كان منهما أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق ﵇: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ . [يوسف: ٢٤] . فإن عشق الصور المحرمة نوع تعبد لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب، وتمكن منها صار تتيما، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدا لمعشوقه، وكثيرا ما يغلب حبه، وذكره، والشوق إليه والسعي في مرضاته، وإيثار محابه على حب الله وذكره، والسعي في مرضاته، بل كثيرا ما يذهب ذلك من قبل العاشق بالكلية، ويصير متعلقا بمعشوقه من الصور، كما هو مشاهد، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله ﷿ يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله - تعالى - وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنب من سخطه ما لا يتجنب من سخط الله - تعالى - فيصير آثر عنده من ربه، حبا وخضوعا، وذلا، وسمعا وطاعة. ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله - سبحانه - العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز وكانت إذ ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد - بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده - صرف ذلك عنه. والزنا واللواط كمال لذاتهما إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما لتنقله من محل إلى محل - لا يبقى عشقه مقصورا على محل واحد، بل ينقسم على سهام كثيرة، لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده. فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ

1 / 26

القلب بهما بعد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثا - ازداد من الله بعدا ". ١ وقال ﵀ في موطن آخر متحدثا عن العشق، وأن اللواط سبب له: "وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعز عليهم شفاؤه، وهو - والله - الداء العضال، والسم القتال، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتغلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره. وهو اقسام: تارة يكون كفرا، كمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟! فهذا عشق لا يغفره الله لصاحبه، فإن من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحق ربه، وطاعة ربه وطاعته - قدم حق معشوقه وطاعته على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه - إن بذل - أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مراضاة معشوقه وطاعته، والتقرب إليه وجعل لربه - إن أطاعه - الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته" ٢. ثم قال ﵀: " فتأمل حال أكثر عشاق الصور، هل تجدها إلا مطابقة لذلك؟ ثم ضع حالهم في كفة، وتوحيدهم في كفة، وإيمانهم في كفة

١إغاثة اللهفان ص٧٠ـ٧١. ٢ الجواب الكافي ص٢٩٦ـ٢٩٧.

1 / 27

ثم زن يرضي الله ورسوله، ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيده ربه، كما صرح أحدهم بأن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه، فعياذا بالله من الخذلان، ومن هذا الحال. قال الشاعر: وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله، فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق ﷻ بعبوديته لمخلوق مثله؛ فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه؛ فقد أعطاء حقيقة العبودية" ١ ومن أضراره الدينية أيضا أنه يجر صاحبه إلى معاص أخرى، ربما لا تقل عن اللواط قبحا، كما يجره إلى ترك طاعات كان يفعلها؛ فكم شرب بسببه من المسكرات؟ وكم ضاع بسببه من الجمع والجماعات؟ وكم أغري به من عداوات؟ ثم إن الاسترسال بهذا الأمر - يقود الإنسان إلى محبته، فيحب الفاحشة ويبغض العفة، فيقع في محبة ما كرهه الله، وبغض ما أحبه الله. وقد يقوده التمادي به والاستمرار عليه إلى استمرائه، وعدم النفور منه وربما قاده ذلك - عياذا بالله - إلى استحلاله

١ انظر المرجع السابق ص ٢٩٧، وانظر الدين الخالص لصديق حسن، ٢/٤٠٣ـ٤١٢.

1 / 28

المبحث الثاني: أضراره الخلقية١ أما أضراره الخلقية - فكثيرة جدا؛ فاللواط لوثة خلقية، وانحراف عن الفطرة السوية، فمن تلك الأضرار الخلقية التي لا بد أن تنجم عنه ما يلي: ١ - قلة الحياء: فالحياء هو الحياة، وإذا ذهب الحياء - فلا خير في الحياة، وصدق من قال: فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء فمن ثمرات اللواط المنتنة الوقاحة وقلة الحياء، فتجد من يمارس هذه الفعلة صلب الوجه، وقحا لا يبالي بما فعل، ولا يرعى لأحد حقه، وربما انسلخ من الحياء بالكلية، فلا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، وقبيح فعاله، بل ربما قام هو بإخبارهم عما يقوم به من عمل سيء، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة عز إصلاحه، وصعب علاجه. ٢ - سوء الخلق. ٣ - قسوة القلوب وغلظ الأكباد. ٤ - قتل المروءة والشهامة، والنخوة والكرامة. ٥ - الشرة والعدوانية، وحب الجريمة والجرأة على فعلها.

١ انظر الجواب الكافي ص٦٨إلى ١٤١.

1 / 29