قال ابن القيم:"وهذا يدل على أن من لم يفقهه في دينه لم يرد به خيرًا، كما أن من أراد به خيرًا فقهه في دينه، ومن فقهه في دينه فقد أراد به خيرًا، إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل، وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه في الدين فقد أريد به خيرًا، فإن الفقه حينئذ يكون شرطًا لإرادة الخير وعلى الأول يكون موجبًا والله أعلم"١.
وقال ابن حجر:"ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي: لم يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير.. لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهًا ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم"٢.
وإنما نال العلم هذه المكانة العظيمة، لأنه وسيلة لأعظم الغايات وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له والقيام بتوحيده على الوجه المطلوب.
فالعلم ليس مقصودًا لذاته وإنما هو مقصود لغيره وهو العمل، فكل علم شرعي فطلب الشرع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى، ويدل على ذلك أمور:
أحدها: أن الشرع إنما جاء بالتعبد، وهو المقصود من بعثة الأنبياء ﵈، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ ٣.
وقوله: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلا
١ مفتاح دار السعادة (ص ٦٥)، وانظر الفتاوى (٢٨/٨٠) .
٢ فتح الباري (١/ ١٦٥) .
٣ سورة البقرة، الآية: ٢١.