الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
صفحه نامشخص
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
صفحه نامشخص
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
صفحه نامشخص
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
صفحه نامشخص
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
صفحه نامشخص
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
صفحه نامشخص
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
صفحه نامشخص
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
صفحه نامشخص
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
تدخل امرأة
تدخل امرأة
تأليف
روبرت بار
ترجمة
مصطفى محمد فؤاد
إلى صديقي هوراس هارت.
الفصل الأول
صفحه نامشخص
كان مدير التحرير في صحيفة «نيويورك آرجوس» يجلس على مكتبه وعلى وجهه عبوس شديد، وأخذ ينظر من تحت حاجبيه الكثيفين إلى الشاب الذي ألقى لتوه بمعطف كبير من الفراء على ظهر أحد الكراسي، بينما جلس هو على كرسي آخر.
بدأ مدير التحرير الحديث قائلا: «لقد تلقيت برقيتك. هل لي أن أفهم منها أنك قد فشلت في مهمتك؟»
أجاب الشاب، دون أدنى تردد: «نعم ، يا سيدي.» «تماما؟» «نعم.» «ألم تحصل حتى على فكرة عن أهم ما يوجد بداخل المستندات؟» «نعم، على الإطلاق.»
ازداد عبوس مدير التحرير. وأخذ ينقر بأطراف أصابعه بعصبية على المكتب.
وقال في النهاية: «يخيل إلي أنك لست خجلان من فشلك.» «وما فائدة أن أفعل؟ أنا على يقين من أنني قمت بكل ما في وسعي.» «حسنا. إن في ذلك تعزية كبيرة، بلا شك، ولكن ذلك لا قيمة له في عالم الصحافة. أخبرني ماذا فعلت.» «لقد تلقيت برقيتك في مونتريال، وعلى الفور ذهبت إلى بيرنت باين التي تعد أبعد بقعة على وجه الأرض. ووجدت أن كينيون وونتوورث يقيمان في الفندق الوحيد الموجود في المكان. حاولت أن أعرف منهما محتوى تقريريهما، لكنني لم أنجح في مهمتي رغم أنهما كانا مهذبين للغاية. حاولت بعد ذلك أن أرشوهما، لكنهما طرداني من الغرفة.» «ربما لم يكن مبلغ الرشوة الذي عرضته عليهما كبيرا بما يكفي.» «لقد عرضت عليهما ضعف ما كانت ستدفعه لهما لندن سينديكيت لتقديم تقريريهما، وعرفت المبلغ منهما. ولم يكن بإمكاني أن أعرض مبلغا أكبر لأنهما في ذلك الوقت كانا قد أغلقا باب النقاش بطردي من الغرفة. حاولت الحصول على الأوراق في تلك الليلة، سرا، من حقيبة ونتوورث، لكنني لم أستطع للأسف. شعر الشابان بالقلق، وفي صباح اليوم التالي، ذهبا لأوتاوا لإرسال التقريرين، كما فهمت لاحقا، إلى إنجلترا. لقد نجحت في الحصول على التقريرين، لكنني لم أستطع الاحتفاظ بهما؛ فهناك عدد كبير من رجال الشرطة في أوتاوا يمكن أن يلاحقني.»
قال مدير التحرير: «هل تقصد أن تقول لي إنك قد حصلت بالفعل على التقريرين وإنهما قد أخذا منك؟» «لقد حصلت بالتأكيد عليهما؛ أما فيما يتعلق بمسألة أنهما أخذا مني، فلم يكن أمامي سوى أن أفعل هذا أو أسجن. إن رجال الشرطة في كندا، كما تعرف، لا يتفاهمون كما يحدث في الولايات المتحدة.» «لكنني أعتقد أن رجلا بحنكتك كان سيتمكن من أن يحصل حتى على الأقل على فكرة عما بداخل التقريرين قبل أن ينتزعا منه.»
قال الصحفي بغضب شديد: «سيدي العزيز، إن الأمر كله مكتوب في مجموعة من الصفحات الفولسكاب، لا أتذكر كم عددها، وكان يمثل أعقد مسألة صادفتها في حياتي. لقد حاولت قراءة ما فيها؛ حيث جلست في غرفتي في الفندق وبذلت كل ما في وسعي للتعرف على التفاصيل. لكن الأوراق كانت مليئة بالتفاصيل الفنية ولم أستطع تبينها. كان الأمر يتطلب خبيرا في المناجم لفهم العبارات والأشكال المذكورة؛ لذا، ظننت أن أفضل شيء يمكن فعله هو إرسال الأوراق بالتلغراف إلى نيويورك. أعرف أن الأمر كان سيتكلف الكثير من المال، لكنني كنت أعرف أيضا أنك لن تبالي؛ واعتقدت أنه ربما يكون شخص هنا يمكنه فهم ما استغلق علي؛ هذا بالإضافة إلى أنني كنت أريد أن أتخلص من المستندات بأسرع ما يمكن.»
قال مدير التحرير بعد أن تنحنح: «عفوا! ولكن ألم تدون أي ملاحظات؟» «نعم، لم أدون. لم يكن لدي وقت. كنت أعرف أن المحققين سيتعقبونني في اللحظة التي يدرك فيها هذان الشابان ضياع المستندات. وكما هو متوقع، قبض علي بمجرد دخولي مكتب التلغراف.»
قال مدير التحرير: «حسنا، يبدو لي أنني إن كان لي أن أحصل على الأوراق، فما كنت لأدعهم يأخذونها مني حتى أعلم أهم ما جاء فيها.»
رد الصحفي بالأسلوب المتحرر وغير المتكلف الذي يتحدث به أي صحفي أمريكي مع رئيسه: «أوه، إنه لمن الجيد منك أن تثير نقطة كهذه، لكنني أستطيع أن أؤكد لك أنه من الصعب عليك أن تقرر أفضل شيء يمكن أن تفعله عندما تجد أن هناك احتمالا لأن تتعرض للسجن في كندا. لم يكن باستطاعتي الخروج من المدينة قبل ثلاث ساعات، وقبل نهاية ذلك الوقت، كان سيكون في يد كل رجل شرطة في المكان وصف لي. إنهم يعرفون جيدا من أخذ الأوراق؛ لذا كان أملي الوحيد يتمثل في إرسالها بالتلغراف إليك، ولو تحقق ذلك، لكان كل شيء على ما يرام. كنت سأسجن عن طيب خاطر لو أرسلت التفاصيل إلى نيويورك.»
صفحه نامشخص
سأل مدير التحرير قائلا: «حسنا، ماذا علينا أن نفعل الآن؟» «أنا لا أدري على وجه التحديد ما الذي علينا فعله. سيأتي الرجلان إلى نيويورك قريبا جدا. إنهما، كما فهمت، سيبحران على متن سفينة «كالوريك» التي ستغادر في خلال أسبوع. إن كنت تعتقد أن لديك صحفيا يمكنه معرفة تفاصيل الأمر من هذين الرجلين، فسأكون سعيدا جدا إن عرفت أنك أرسلته إليهما. أستطيع أن أؤكد لك أنه ليس من السهل معرفة ما لا يريد رجل إنجليزي أن تعرفه.»
قال مدير التحرير: «حسنا، ربما يكون هذا صحيحا. سأفكر في الأمر. بالطبع، أنت فعلت ما في وسعك، وأنا أقدر جهودك؛ لكنني حزين لأنك فشلت في مهمتك.»
قال ريفرز، بينما كان يلتقط معطفه الكندي الكبير المصنوع من الفراء ويخرج من الغرفة: «إنك لست حزينا نصف حزني على الأمر.»
فكر مدير التحرير بالفعل في الأمر. فكر فيه لمدة ساعتين كاملتين. ثم كتب ملحوظة على قطعة من الورق وسحب لأسفل المقبض الصغير الذي سيرن جرس الساعي المكلف بنقل الرسائل، وعندما ظهر الساعي المرتدي زي العمل، أعطاه الملحوظة، قائلا: «أوصل هذه بأقصى سرعة ممكنة.»
ذهب الساعي وسرعان ما اتضحت نتيجة مشواره بوصول شابة أنيقة جدا إلى غرفة التحرير. كانت ترتدي ملابس مفصلة ملائمة لها تماما، وكانت شديدة الجمال، وتبدو في نحو التاسعة عشرة من عمرها، لكنها كانت، في الحقيقة، أكبر سنا بعض الشيء. كانت تمتلك عينين زرقاوين كبيرتين جذابتين توحيان بالثقة والرقة مما يجعل الرجل العادي يقول: «كم هي جميلة وبريئة نظرة تلك الفتاة!» لكنها كانت تعرف الكثير والكثير عن نيويورك. لقد كانت تتفاخر بأنها تستطيع الحصول على أسرار البلاد من أعضاء الحكومة الموقرين، وكانت تنظر إلى أي سيناتور أو عضو بالكونجرس باعتباره هدفها الطبيعي. وكان ما يقال لها خلف الأبواب المغلقة يثير ضجة كبيرة في اليوم التالي في الصحيفة التي تمثلها. لقد كانت تكتب تحت اسم مستعار، وجربت تقريبا الكتابة عن كل شيء. لقد كانت تتفاعل مع الإعلانات وتكشف عن المحتالين والغشاشين، وذهبت ذات مرة إلى فندق للعمل عاملة غرف، حتى تكتب عن تجاربها في هذا الشأن. وقد قبض عليها وحبست، حتى تستطيع أن تكتب تقريرا على ثلاثة أعمدة، لصالح طبعة الأحد من صحيفة «آرجوس» عن «طريقة التعامل مع النساء في مقرات الشرطة». وكان مدير التحرير ينظر إليها باعتبارها واحدة من أهم أعضاء فريق عمله، وكانت لهذا تحصل على مقابل كبير.
دخلت الغرفة بثقة صاحب المكان، ثم جلست، بعد أن أومأت برأسها لمدير التحرير تحية له، وقالت له: «ما الأمر؟»
قال الرجل بجدية: «اسمعيني، يا جيني، هل ترغبين في السفر إلى أوروبا؟»
قالت جيني: «لا أعرف، ولكن هذا ليس، كما تعرف، هو الوقت من العام الذي عادة ما يذهب فيه الناس إلى أوروبا من أجل الاستجمام.» «حسنا، هذه ليست رحلة استجمام بالمعنى الدقيق. إن حقيقة الأمر هي أن ريفرز كان في مهمة وقد أفسدها على نحو مريع، إلى جانب أنه كان على وشك أن يقبض عليه.»
لمعت عينا المرأة الشابة. كانت تحب أي شيء به أي ملمح من الخطورة، ولم تكن تأبى سماع أنه يتوقع منها النجاح فيما فشل فيه رجل صحفي زميل لها.
واصل مدير التحرير كلامه قائلا: «سيسافر رجلان شابان إلى إنجلترا عبر سفينة «كالوريك» التي ستبحر في خلال أسبوع. أريد منك أن تحصلي على تذكرة لليفربول على متن هذه السفينة، وتحصلي من أي من هذين الرجلين على التفاصيل - التفاصيل الكاملة - للتقريرين اللذين كتباهما عن بعض المناجم في كندا. وعليك بعد ذلك أن تنزلي في كوينزتاون وترسلي بالتلغراف القصة الكاملة إلى صحيفتنا.»
صفحه نامشخص
قالت الآنسة جيني، مقطبة جبينها الجميل: «المناجم ليست من ضمن اهتماماتي. ما نوع المناجم المتضمنة في هذه المسألة؛ مناجم ذهب أم فضة أم نحاس أم ماذا؟» «إنها مناجم معينة على ضفاف نهر أوتاوا.» «هذا غير محدد.» «أعرف أنه كذلك. إنني لا أستطيع أن أعطيك معلومات كثيرة عن الأمر. أنا نفسي لا أعرف، إحقاقا للحق، لكنني أعلم أنه من المهم جدا أن نحصل على نبذة عما يحتويه التقريران اللذان كتبهما هذان الشابان. لقد أسست شركة، تدعى لندن سينديكيت، في إنجلترا. إن ما تسعى إليه هذه الشركة هو شراء عدد كبير من المناجم في كندا، إن كانت الأخبار المتواترة عن الملاك الحاليين لها صحيحة. لذلك، أرسل رجلان، كينيون وونتوورث - الأول مهندس تعدين والثاني مراجع حسابات محنك - من لندن إلى كندا؛ الأول لفحص المناجم والثاني لفحص دفاتر حسابات الشركات المتعددة المالكة للمناجم. وسيعتمد قرار الشركة بشأن الشراء من عدمه كثيرا على التقريرين اللذين بحوزة الرجلين الآن. إن التقريرين، عند نشرهما، سيكون لهما تأثير كبير، بطريقة أو بأخرى، على البورصة. وأنا أود أن أعرف أهم ما جاء بهما قبل أن تطلع عليهما الشركة. سيكون سبقا كبيرا لصحيفتنا إن كنا نحن أول من يعرف حقيقة الأمر، وأنا على استعداد لدفع مبلغ كبير بالعملة الصعبة حتى أنجح في ذلك. لذا، لا يهمك مصاريف إرسال التفاصيل بالتلغراف.» «رائع جدا؛ هل لديكم كتاب عن المناجم الكندية؟» «لا أعرف إن كان لدينا واحد؛ ولكن يوجد هناك كتاب يسمى «مصادر التعدين في كندا»؛ هل سيكون له أي نفع لك؟» «سأحتاج إلى مصدر كهذا. أريد كما تعرف أن يكون لدي بعض الإلمام بالمجال.»
قال مدير التحرير: «أتفق معك. سأرى ما يمكننا الحصول عليه عن هذا المجال. يمكن أن تقرئيه قبل أن تبدئي الرحلة، وفي أثنائها.»
قالت الآنسة جيني: «رائع جدا، وهل لي أن أختار الرجل الذي سأحصل منه على المعلومات من بين الرجلين؟»
رد مدير التحرير: «بالتأكيد. سترين الاثنين، ويمكنك بسهولة تحديد من سيقع على نحو أسرع ضحية لك.» «السفينة ستبحر خلال أسبوع، أليس كذلك؟» «بلى.» «إذن، سأحتاج على الأقل إلى خمسمائة دولار للحصول على فساتين جديدة.»
صاح مدير التحرير متعجبا: «يا إلهي!» «لا مجال للتعجب في هذا الأمر. إنني سأسافر باعتباري ابنة مليونير، ومن غير المحتمل أن يكفيني فستان أو اثنان طوال هذه الرحلة.»
قال مدير التحرير: «لكن لن يمكنك تفصيل فساتين جديدة في أسبوع.» «أتعتقد ذلك؟ حسنا، أعطني فقط الخمسمائة دولار، وسأتدبر الأمر.»
كتب الرجل المبلغ على ورقة عنده.
وقال: «ألا تظنين أن أربعمائة دولار كافية؟» «نعم، لا أظن ذلك. وهل لي أن أسافر إلى باريس بعد انتهاء هذه المهمة أم علي أن أعود مباشرة إلى هنا؟»
قال مدير التحرير: «أوه، أظن أننا يمكننا أن نمنحك هذه الرحلة هدية.» «ذكرني باسمي الرجلين الشابين، أم هما ليسا بشابين؟ ربما يكونان عجوزين مملين، بالنظر إلى مجال التعدين الذي يعملان به.» «لا؛ إنهما شابان، وهما حويطان وإنجليزيان. لذا، أنت ترين أن هذه المهمة قد فصلت من أجلك. إن اسميهما جورج ونتوورث وجون كينيون.»
قالت المرأة الشابة بمرح: «أوه، ونتوورث هو الرجل الذي سأستهدفه. جون كينيون! أنا أعرف أي نوعية من البشر ينتمي إليها؛ إنه متجهم ومتحفظ. يبدو أنه يشبه كثيرا جون بانيان أو جون ميلتون، أو أسماء من هذا القبيل.» «حسنا، أنا لن أكون متأكدا بشدة بشأن هذا حتى تري الاثنين. من الأفضل ألا تحزمي أمرك الآن.» «متى سأحصل على الخمسمائة دولار؟» «أوه، لا يجب أن تقلقي بشأن هذا. وأفضل طريقة هي أن تفصلي الفساتين وتطلبي ممن يحيكها إرسال الفواتير إلينا.»
صفحه نامشخص
قالت المرأة الشابة: «رائع جدا. سأكون مستعدة في الوقت المطلوب. لا ترتعب من الفواتير عندما تأتي إليك. إن جاءت بألف دولار، فتذكر أنني قلت إنني أحتاج منك إلى خمسمائة دولار فقط.»
نظر الرجل إليها للحظات، وبدا أنه يفكر أنه ربما من الأفضل ألا يترك لامرأة شابة أن تنفق كما تشاء في نيويورك. لذا، قال لها: «انتظري قليلا؛ سأكتب لك أمر الدفع، ويمكنك صرفه في الدور السفلي.»
أخذت الآنسة جيني أمر الدفع الذي أعطاه لها مدير التحرير وخرجت من غرفته. وعندما أعطت الأمر لموظف الدفع في قسم الحسابات، رفع الموظف حاجبيه عندما قرأ المبلغ وقال لنفسه، وهو يصفر بصوت منخفض: «خمسمائة دولار! ترى ما المهمة المكلفة بها جيني بروستر؟»
الفصل الثاني
لقد دق آخر جرس. وقد غادر كل من سيغادرون على الشاطئ. وتجمع حشود من البشر على نهاية الرصيف وعند أبواب المخزن الكبيرة المفتوحة عند مرسى السفينة. وبينما أخذت السفينة البخارية الكبيرة تتحرك، كان هناك تلويح بالمناديل من الجمع الموجود على الرصيف، ورد بالتلويح من هؤلاء الذين تكدسوا بطول أسوار السفينة. سحب المركب القاطر ببطء مقدمة السفينة، وبدأت محركات السفينة في النهاية الاهتزاز بصوت عال، وهو ما ستفعله لعدة أيام حتى تصل السفينة إلى القارة العجوز. وأصبح الجمع على الرصيف غير مرئي أكثر فأكثر لمن هم على متن السفينة، ونزل العديد من الركاب إلى الدور السفلي؛ فقد كان الهواء شديد البرودة، وكانت السفينة تتحرك بصعوبة وسط كتل ضخمة من الثلج.
كان هناك راكبان، على الأقل، لم يكترثا كثيرا بمسألة الرحيل؛ فهما لم يتركا أي أصدقاء خلفهما، وكان كل منهما يتطلع لرؤية أصدقائه في وطنه.
قال ونتوورث لكينيون: «لننزل إلى أسفل ونتأكد من الحصول على مقعدين متجاورين على الطاولة قبل أن تشغل كل المقاعد.»
رد رفيقه: «هيا بنا.» ونزلا إلى القاعة الكبيرة، التي كانت توجد بها بالفعل طاولتان طويلتان وعليهما كم كبير من أدوات ولوازم الطعام الفضية والزجاجية الفخمة، التي جعلت الكثيرين ممن نظروا إلى تلك الغابة من فوط الطاولات ببعض الحزن، يتمنون أن تمر الرحلة بسلام رغم الاحتمالات العديدة لكونها بخلاف ذلك؛ نظرا إلى أنها تنطلق في الشتاء. جلس مسئول الحسابات في السفينة واثنان من مساعديه على واحدة من الطاولات القصيرة وأمامهم مخطط، يحدد أسماء الركاب الذين أرادوا أن يجلسوا معا أو أرادوا مكانا معينا على أي من الطاولات. لم تكن الطاولات الجانبية الأصغر حجما مغطاة بعد لأن عدد الركاب في تلك الفترة من العام قليل نسبيا. ونظرا إلى أن الأماكن كانت محددة، فقد أخذ أحد المساعدين يكتب أسماء الركاب على بطاقات صغيرة في حين كان الآخر يضعها على الطاولات.
وقفت امرأة شابة، ترتدي رداء سفر يلائمها على نحو رائع، كان من الواضح أنه حديث التفصيل والتصميم، بعيدا قليلا عن الجمع الذي أحاط بمسئول الحسابات ومساعديه. وأخذت تنظر بحماس في كل الوجوه، وتستمع باهتمام للأسماء التي تجري تلاوتها. أحيانا كانت لمحة من خيبة الأمل تعلو حاجبيها، كما لو أنها كانت تتوقع أن يكون لشخص معين اسم محدد وهو الأمر الذي لم يحدث. وفي النهاية، لمعت عيناها.
قال الرجل الشاب الذي جاء الدور عليه: «اسمي ونتوورث.»
صفحه نامشخص
سأله مسئول الحسابات بلطف، كما لو أنه كان يعرفه طوال حياته: «حسنا، هل تريد أي مكان معين، يا سيد ونتوورث؟» «لا، نحن لا تعنينا مسألة مكان جلوسنا؛ لكنني أنا وصديقي السيد كينيون نريد أن نجلس معا أحدنا بجوار الآخر.»
رد مسئول الحسابات: «رائع جدا؛ من الأفضل أن تأتيا إلى طاولتي. رقما 23 و24؛ السيد كينيون والسيد ونتوورث.»
أخذ المساعد البطاقتين اللتين أعطيتا له، ووضعهما بحيث يتفقان مع الرقمين اللذين أعلن عنهما مسئول الحسابات. في تلك الأثناء، تحركت المرأة الشابة باتجاهه بخفة، كما لو أنها كانت مهتمة بالاسمين الموضوعين على الطاولة. نظرت إلى اسم ونتوورث للحظات، ورأت في المكان المجاور له اسم السيد براون. وألقت بعد ذلك نظرة سريعة وشاملة في أنحاء القاعة ولاحظت أن الشابين اللذين حددا مكان مقعديهما في طاولة الطعام يتحدثان الآن بارتياح باتجاه الدرج. أخذت البطاقة التي عليها اسم السيد براون، ووضعت مكانها أخرى مكتوبا عليها «الآنسة جيني بروستر». ووضعت بطاقة السيد براون في المكان الذي أخذت منه بطاقتها.
قالت جيني لنفسها: «آمل ألا يكون السيد براون مهتما بالجلوس في مكان معين، لكن على أي حال علي أن آتي مبكرا لتناول العشاء، وأن أتأكد أن السيد براون، أيا ما كان، لن يفتقر إلى التهذيب بحيث يصر على الاحتفاظ بمكانه إذا علم أن بطاقته كانت هناك.»
أثبتت الأحداث التالية صدق تخمينها بشأن عدم اكتراث السيد براون بمسألة مكان جلوسه على طاولة الطعام. لقد بحث هذا الشاب عن بطاقته ووجدها، وجلس على الكرسي المقابل لكرسي السيدة الشابة التي كانت قد شغلته بالفعل، وكان في واقع الأمر أول كرسي يشغل في الطاولة. وعندما وجدت أنه لن يوجد خلاف بشأن مكان الجلوس، بدأت تخطط في ذهنها كيف ستجذب انتباه السيد ونتوورث. وبينما هي تفكر في أفضل طريقة للاقتراب من ضحيتها، سمعت صوته. «هنا، يا كينيون؛ ها هما المكانان الخاصان بنا.»
قال كينيون: «أيهما يخصني؟»
رد ونتوورث: «لا يهم.» وحينها تسرب الخوف إلى قلب الآنسة جيني بروستر الرقيق. لم تفكر في مسألة عدم اهتمام ونتوورث بالمقعد الذي سيجلس عليه، وخشيت من احتمال أن تجد نفسها تجلس بجانب كينيون وليس بجانبه هو. بدا أن تقديرها الأولي لشخصية الرجلين صحيح. لقد كانت تنظر إلى كينيون دائما على أنه بانيان، وباتت متأكدة من أن ونتوورث سيكون الأسهل في التأثير عليه من بين الرجلين. في اللحظة التالية، تبددت مخاوفها؛ إذ إن كينيون عندما ألقى نظرة سريعة على المرأة الشابة الأنيقة، اختار عن عمد المقعد البعيد عنها، وجلس ونتوورث على الكرسي المجاور لها بكل تهذيب وأدب.
قالت جيني في نفسها، وهي تتنفس الصعداء: «الآن، تم تحديد أماكن تناول الوجبات على مدار الرحلة.» وأخذت تضع الخطط لبدء التعرف على الرجل الشاب، لكنها كلها تبددت عندما أعطاها السيد ونتوورث المهذب قائمة الطعام.
قالت الفتاة: «أوه، شكرا لك.» قالت ذلك بصوت خفيض كان موسيقيا للغاية، لدرجة أن ونتوورث ألقى نظرة ثانية عليها ورأى مدى رقتها وجمالها وبراءتها.
قال الشاب التعيس الحظ لنفسه: «أنا محظوظ.» ثم قال بصوت عال: «ليس معنا في هذه الرحلة العديد من السيدات.»
صفحه نامشخص
ردت الآنسة بروستر: «لا. أعتقد أن لا أحد يسافر في هذا الوقت من العام إلا إذا كان مجبرا على ذلك.» «أستطيع أن أؤكد أن هذا صحيح بالنسبة إلى راكبين.» «هل تقصد أنك أحدهما؟» «نعم، أنا وصديقي.»
قالت الآنسة بروستر: «كم هو رائع السفر مع صديق! فحينها، لن تكون وحيدا. لكنني للأسف أسافر بمفردي.»
قال ونتوورث المهذب: «أعتقد أنه سيكون خطأك بالكامل إذا كنت تشعرين بالوحدة وأنت على متن سفينة.»
ضحكت الآنسة بروستر ضحكة رقيقة.
قالت: «أشك في ذلك. إنني ذاهبة إلى قبلة الأمريكيين؛ باريس. أبي سيلتقيني هناك، وسنذهب بعدها معا إلى منطقة الريفيرا.»
قال ونتوورث: «آه، سيكون هذا ممتعا. إن الريفيرا في هذا الوقت بالطبع لمكان رائع.»
ردت: «هكذا سمعت أيضا.» «هل سافرت على متن رحلة بحرية من قبل؟» «لا، هذه هي أول رحلة لي. أعتقد أنك سافرت عدة مرات؟»
رد الرجل الإنجليزي: «أوه، لا، هذه هي رحلتي البحرية الثانية، وكانت الأولى هي التي أخذتني إلى أمريكا.»
قالت الآنسة بروستر باندهاش ظاهر: «آه، إذن أنت لست أمريكيا.»
تصورت أن الرجل بوجه عام يشعر بالإطراء عندما يحدث خطأ من هذا النوع. وبغض النظر عن مدى فخر الرجل ببلده، فهو يسعد لمعرفة أن ملامحه لا تقصره على بلد معين، أو كما يقول الأمريكيون: «تفصح عن هويته.»
صفحه نامشخص
قال ونتوورث: «أعتقد أنني بوجه عام لا أبدو سوى ما أنا عليه بالفعل؛ رجل إنجليزي.»
قالت المرأة الشابة التي تدعي البراءة: «لقد قابلت عددا قليلا جدا من الإنجليز؛ مما يجعلني في الواقع غير قادرة على معرفتهم.» «أعرف أن هناك اعتقادا شائعا بين الأمريكيين بأن الرجل الإنجليزي يسقط حرف الهاء من كلامه، وأنه يمكن التعرف عليه من خلال ذلك.»
ضحكت جيني مرة ثانية، واعتقد جورج ونتوورث أن ضحكتها من أجمل الضحكات التي سمعها في حياته.
لقد كان كينيون المسكين متجاهلا من جانب صديقه طوال العشاء. وقد شعر ببعض الكآبة عندما قدمت أطباق الطعام، وتمنى لو كان معه صحيفة مسائية. وفي تلك الأثناء، كان ونتوورث والفتاة الأنيقة الجالسة بجواره منسجمين معا. وفي نهاية العشاء، بدا أنها تجد بعض الصعوبة في الخروج من كرسيها، وأوضح لها ونتوورث السبيل إلى ذلك، تاركا إياها تنهض بنفسها. وشكرته هي بلطف.
قالت وهي تلتفت للذهاب: «سأصعد على سطح السفينة. إنني شديدة القلق من أن ألقي أول نظرة لي على المحيط بالليل من أعلى سطح سفينة بخارية.»
رد ونتوورث الشاب: «أرجو أن تجعليني أصحبك. إن أسطح السفن زلقة بعض الشيء، وحتى عندما لا يكون هناك تمايل من جانب السفينة، فليس من الأمان تماما لسيدة غير معتادة على حركة السفن أن تسير بمفردها في الظلام.»
ردت الآنسة بروستر بنعومة: «أوه، أشكرك شكرا جزيلا. هذا بالتأكيد لطف كبير منك؛ وإذا وعدتني بألا تدعني أحرمك من متعة تدخين سيجار ما بعد العشاء، فسأكون في منتهى السعادة لاصطحابك إياي على سطح السفينة. سأقابلك بأعلى الدرج في خلال خمس دقائق.»
قال كينيون، بينما المرأة الشابة تتوارى عن الأنظار: «أرى أنكما انسجمتما معا.»
قال ونتوورث: «ما فائدة أن تكون على متن سفينة إذا لم تستغل الفرصة لتكوين معارف؟ إن هناك عدم تقليدية في الحياة على متن السفينة، وهو الأمر الذي له جماله، وذلك كما ستكتشف ربما قبل نهاية الرحلة يا جون.» «إنك فقط تحاول إراحة ضميرك بسبب تجاهلك القاسي لي.»
انتظر جورج ونتوورث بأعلى الدرج لأكثر من خمس دقائق بقليل حتى ظهرت الآنسة بروستر، وهي ملتحفة بعباءة حوافها من الفراء، مما أعطى سحرا إضافيا لبشرتها، التي زاد من جاذبيتها قبعة ثقيلة أنيقة. ذهبا إلى سطح السفينة، ووجدا أن ليس هناك ظلام دامس كما توقعا. لقد كانت هناك كرات صغيرة من الإضاءة الكهربية موضوعة على مسافات منتظمة على أسوار السطح. وكان يوجد فوقهما نوع من السقف المصنوع من قماش القنب، الذي كانت تتدفق عليه الأمطار الثلجية. أحد البحارة، الذي كان معه ممسحة مطاطية، كان يدفع إلى فتحة الصرف الموجودة بجانب السفينة الماء الموجود على السطح. كان الليل حالك السواد في كل ما حول السفينة، فيما عدا في بعض الأحيان حين كانت تظهر موجة كبيرة بيضاء لامعة للحظات.
صفحه نامشخص
أصرت الآنسة بروستر على أن يشعل ونتوورث سيجاره وهو الأمر الذي فعله، بعد عدة محاولات لإقناعه. وبعد ذلك، أخذ بيدها ووضعها على نحو مريح تحت ذراعه، وعدلت خطوتها لتناسب خطوته. وأخذا يتمشيان بمفردهما تماما؛ فلم يكن ليل الشتاء المطير مشجعا لمعظم الركاب بالمقارنة بالغرف المريحة بالأسفل. ومع ذلك، صعد كينيون واثنان آخران إلى سطح السفينة وجلسوا على الكراسي التي كانت مربوطة بقضيب نحاسي يمتد بطول سور السطح. رأى بريق سيجار ونتوورث بينما كان الرفيقان يلتفتان في أقصى نهاية سيرهما، وعندما مرا به، سمع همهمة حديث منخفضة النبرة، وجزءا من ضحك خفيف بين الحين والآخر. لم يكن شعور كينيون بعدم الراحة والضيق بسبب ترك ونتوورث له؛ فهو نفسه لم يكن يعرف السبب، لكن تملكه هاجس غريب غير مريح. وبعد بعض الوقت، نزل إلى القاعة وحاول أن يقرأ، لكنه لم يستطع، ولذلك، سار بطول الممر الضيق الذي بدا أنه لا نهاية له، والمؤدي إلى غرفته (التي كانت أيضا غرفة ونتوورث) التي دخلها في النهاية. ولم يعد رفيقه إلى الغرفة إلا متأخرا.
سأله الآخر: «هل نمت يا كينيون؟»
كانت الإجابة: «لا.» «يا إلهي! إنها يا جون واحدة من أجمل الفتيات التي رأيتها في حياتي. كما أنها بارعة جدا؛ فهي تجعل الرجل يشعر بجوارها وكأنه أحمق. لقد قرأت تقريبا في كل الموضوعات. ولديها آراء عن كل كتابنا، الذين لم أسمع بالكثير منهم قط. أتمنى من أجلك، يا جون، أن تكون لديها أخت على متن السفينة.»
قال كينيون: «شكرا، أيها العجوز؛ إن هذا لطف شديد منك. ألا تشعر أنه قد حان الوقت لتتوقف عن هذا الهذيان وتذهب إلى سريرك وتطفئ هذا الضوء القوي؟» «حسنا، أيها المتبرم، سأفعل.»
في تلك الأثناء، كانت الآنسة جيني بروستر تنظر في غرفتها إلى انعكاس صورتها في المرآة. وبينما بسطت شعرها الطويل حتى انسدل مموجا على ظهرها، ابتسمت برقة وقالت لنفسها: «يا لك من مسكين يا سيد ونتوورث! في أول ليلة لنا معا وأخبرني بأن اسمه جورج.»
الفصل الثالث
لقد كان اليوم الثاني مفاجأة سارة لكل ركاب السفينة الذين أعدوا أنفسهم لرحلة شتوية غير سارة. لقد كان الهواء صافيا والسماء زرقاء كما لو كان الوقت وقت الربيع، وليس منتصف الشتاء. وكانت السفينة في منطقة تيار الخليج الدافئ. سطعت الشمس بشدة وكان الطقس معتدلا. ومع ذلك، كان يوما غير مريح للركاب المعرضين لدوار البحر. فعلى الرغم من أنه لم يكن يبدو، للملاحظ العادي، أن هناك حركة كبيرة للماء، فقد أخذت السفينة تتأرجح على نحو شديد. إن هؤلاء الذين اتخذوا قرارات جريئة بالجلوس على السطح كانوا يجلسون هناك في بؤس صامت على كراسيهم التي كانت مربوطة بدعامات قوية. القليل كان يتمشى على السطح اللامع النظيف لأن التمشي في ذلك الصباح كان يتطلب رشاقة لاعبي الجمباز. واستطاع الثلاثة أو الأربعة الذين أرادوا على ما يبدو أن يثبتوا أنهم سافروا على متن هذه السفن من قبل ، ويعرفون كل شيء عنها، أن يمشوا بالكاد على طول السطح. أما هؤلاء الجالسون على كراسي السطح، فكانوا يشاهدون ببعض الاهتمام من كانوا يسيرون أمامهم والذين كانوا من آن لآخر يتوقفون عن المشي وينحنون بشدة مع ميل السطح لأسفل. وأحيانا كانت أقدام السائرين تزل، فينزلقون بسرعة على السطح المائل. ومثل هذه الحوادث كانت بلا شك محل متابعة من قبل الجالسين، وحتى العجز كانوا يضحكون بوهن.
أسند كينيون ظهره على كرسيه على سطح السفينة وكانت عيناه مثبتتين على السماء الزرقاء. كان عقله غير منشغل الآن بشأن تقرير المناجم بعد أن أرسله بالتلغراف إلى لندن. وأخذ عقله ينظر في أحواله، وتساءل ما إذا كان سيجني الكثير من المال من عقد خيار الشراء الذي حصل عليه في أوتاوا. لم يكن شخصا متفائلا، ولذلك شك في هذا الأمر.
بعد أن انتهى الشابان من عملهما لصالح شركة لندن سينديكيت، أجريا صفقة صغيرة لصالحهما. لقد زارا معا منجم ميكا كان بالكاد يغطي نفقاته، وكان مالكوه متلهفين على بيعه. كان المنجم مملوكا لشركة المناجم النمساوية التي قابل كينيون وكيلها، فون برينت، في أوتاوا. أبرم الشابان عقد خيار شراء بشأن هذا المنجم لمدة ثلاثة أشهر مع فون برينت. كانت عين كينيون الخبيرة تقول له إن المادة المعدنية البيضاء التي كانوا يلقونها عند مقدمة المنجم كانت حتى ذات قيمة أعلى من الميكا التي كان المنجم يستخرجها من الأرض.
كان كينيون أمينا بشدة - وهي صفة نادرة بعض الشيء في مجال المناجم - وبدا له أنه ليس من العدل أن يستغل جهل فون برينت بشأن المادة المعدنية التي يتم التخلص منها. ووجد ونتوورث بعض الصعوبة في التغلب على ضمير صديقه وأمانته الشديدة. وزعم أن المعرفة دائما شيء يجب أن يدفع من أجل الحصول عليه، سواء في القانون أو الطب أو مجال المناجم، ومن ثم فهما محقان تماما في الاستفادة من علمهما الكبير. وهكذا عاد الشابان بعقد خيار شراء إلى لندن، مدته ثلاثة أشهر بشأن هذا المنجم.
صفحه نامشخص
أخذ ونتوورث يتجول في أنحاء السفينة طوال الصباح كروح تائهة تبحث على ما يبدو عن صاحبها. وقال لنفسه: «لا، لا يمكن.» فقد كانت الفكرة مريعة للغاية؛ ولذا، فقد أبعدها عن رأسه وخمن أنها ربما ليست من محبي الاستيقاظ المبكر، وقد كان بالفعل. في واقع الأمر، لم يستفد أحد يعمل في صحيفة صباحية قط من المثل الذي تضربه القنبرة في الاستيقاظ مبكرا.
قال ونتوورث: «حسنا يا كينيون، إنك تبدو وكأنك تكتب قصيدة أو تقوم بشيء يتطلب جهدا ذهنيا كبيرا.» «أترك لك كتابة القصائد، يا عزيزي ونتوورث. أنا أقوم بشيء عملي أكثر على نحو كبير؛ شيء كان يجب أن تقوم به أنت أيضا. أنا أفكر فيما سنفعله في منجم الميكا الخاص بنا عندما نصل إلى لندن.»
قال ونتوورث بمرح: «أوه، «يكفي اليوم شره»؛ بالإضافة إلى ذلك، نصف الساعة من التفكير من جانب شخص في ذكائك تساوي رحلة كاملة من تأملي العميق.»
قال كينيون: «ألم تظهر بعد؟» «نعم، يا عزيزي؛ نعم، ليس بعد. انظر كيف أنني لم أظهر غير ما أبطن كما يفعل غيري من الرجال الأقل صدقا. نعم، هي لم تظهر، ولم تتناول طعام الإفطار.»
قال كينيون: «ربما ...»
صاح ونتوورث: «لا، لا! أنا لا أريد كلمة «ربما». لقد فكرت في هذا، لكنني استبعدت الفكرة على الفور. إنها غير معرضة لدوار البحر.» «يجب أن تكون كذلك لكي تحتمل مثل هذه الحركة. كما أن هذا يبدو غير ضروري أيضا. ترى لماذا تتمايل السفينة هكذا؟» «لا يمكنني القول، لكن يبدو أنها تتمايل بشدة. يا صديقي القديم كينيون، أشعر بأن ضميري يؤنبني بشدة بشأن تركك هكذا، وفي وقت مبكر من الرحلة. أنا لم أفعل ذلك في المرة السابقة، أليس كذلك؟»
رد كينيون: «لقد كنت مثالا لرفيق السفر في الرحلة السابقة.» «أنا لا أريد أن أقدم لك اقتراحات وقحة، يا عزيزي، لكن اسمح لي أن أخبرك بأن هناك بعض الفتيات الأخرى الجميلات جدا على متن السفينة.»
رد كينيون: «إذن، أنت لست سيئا للغاية كما كنت أخشى، وإلا ما كنت ستعترف بهذا. ظننت أنك لا ترى أحدا سوى الآنسة ... الآنسة ... في الواقع لم أسمع اسمها.» «أنا لا أمانع في أن أخبرك يا كينيون، مع اعتبار هذا سرا، بأن اسمها هو جيني.»
صاح كينيون: «يا إلهي! أوصل الأمر إلى هذا الحد؟ ألا تعتقد يا ونتوورث أنك متعجل بعض الشيء؟ يبدو هذا التوجه أمريكيا أكثر منه إنجليزيا؛ فالإنجليز يزنون الأمور على نحو أكبر.» «لا توجد ضرورة لوزن الأمور، يا صاح. أنا لا أرى أي ضرر في التقرب من فتاة جميلة ما دام أمام المرء رحلة طويلة.» «حسنا، أنا ما كنت سأترك العلاقة تتطور، لو كنت مكانك.» «لا يوجد أي احتمال للتطور في هذه العلاقة. فعندما تصل الفتاة إلى الشاطئ، لن تلقاني ثانية. إنها ابنة مليونير. وأبوها الآن في باريس، وسينطلقان في رحلة إلى منطقة الريفيرا في غضون بضعة أسابيع.»
رد كينيون: «وهذا سبب أدعى لضرورة ألا تجعل العلاقة تتطور. خذ حذرك، يا صاح. لقد سمعت أن الفتيات الأمريكيات يهوين استدراج الرجال في علاقة حتى تصل تلك العلاقة لنقطة معينة، وحينها ترفع كل منهن حاجبيها وتبدو عليها أمارات الاندهاش وبعد ذلك تنسى كل شيء بشأنه. ومن الأفضل أن تنتظر حتى ينجح مشروعنا الخاص بمنجم الميكا، وبعدها، قد تستمع إليك مليونيرتك الحسناء.»
صفحه نامشخص
قال ونتوورث: «جون، أنت أكثر رجل أعرفه غلظة. لم ألاحظ ذلك على نحو خاص من قبل، ولكن يبدو لي أن سنوات وسنوات من العمل مع المعادن من كافة الأنواع؛ المعادن الصلبة والمتحجرة، تغير الإنسان. احذر أن تصبح مثل المعادن التي تعمل معها.» «حسنا، أنا لا أعرف شيئا أقل قابلية لترقيق الطباع من أعمدة الأرقام الطويلة. أعتقد أن الأرقام التي تعمل معها تسبب غلظة الطباع تماما مثل المعادن التي قضيت حياتي في العمل معها.» «ربما أنت محق في ذلك، لكن يجب أن تلقى فتاة بين ذراعيك قبل أن تعترف بوجود ذلك الشيء الذي يطلق عليه فتاة جميلة.» «إذا استطعت الحصول على كل المال الذي آمل أن أكسبه من منجم الميكا، فأتوقع أن الفتيات لن يلقين بأنفسهن بين ذراعي ، وإنما سيتهافتن على التقرب مني. إن المال عامل مهم في إغراء أي فتاة لقبول الزواج.»
قال ونتوورث بتمهل: «إنه بالطبع عامل مهم لإغراء أمها لقبول الزواج. أنا لا أعتقد أن حبيبتي ... أن الآنسة بروستر تفكر على الإطلاق في المال.» «ربما هي لا تحتاج إلى فعل ذلك، لكن لا شك أن هناك أحدا سيفكر في ذلك بالنيابة عنها. إذا كان أبوها مليونيرا، وقد كون، مثل الكثير من الأمريكيين، ثروته بنفسه، فيجب أن تثق في أنه سيفكر في الأمر بالنيابة عنها، وإذا اتضح أن الآنسة بروستر لا تفكر في هذا الأمر، فإن الثري العجوز سرعان ما سيعيدكما أنتما الاثنان إلى صوابكما. سيكون الأمر مختلفا لو كان لديك لقب كبير.»
رد ونتوورث: «ليس لدي أي لقب، فيما عدا لقب جورج ونتوورث، مراجع الحسابات، مع عنوان في لندن وشقة في ضواحيها.» «بالضبط؛ إذا كنت اللورد جورج ونتوورث أو حتى السير جورج أو ونتوورث بارون كذا أو كذا، فربما تكون لديك فرصة؛ أما في الوضع الحالي، فإن لقب مراجع حسابات لن يجعلك تنجح في مسعاك مع مليونير أمريكي أو ابنته.» «إنك فتى بائس وبارد وشديد الحرص.» «أنا لست أيا من ذلك على الإطلاق. أنا فقط أفكر بعقلانية، وأنت تفتقد هذا في هذه اللحظة. إنك لن تثق في أرقام أي كاتب حسابات دون أن ترى فواتيره. حسنا، يا صاح، أنت ليس لديك الفواتير؛ على الأقل، ليس حتى الآن، ولهذا أطلب منك أن توجه اهتمامك لما سنفعله في منجمنا؛ وإذا أخذت بنصيحتي، فلن تفكر بجدية في المليونيرات الأمريكيين أو بناتهن.»
انتصب جورج ونتوورث بسرعة؛ وذلك لأن السفينة مالت فجأة في تلك اللحظة، وما إن استطاع الحفاظ على توازنه، حتى كاد أن يفقده ثانية؛ لكنه كان خبيرا في مسألة التوزان هذه كما هو حاله مع الحسابات، وعلى الرغم من أن انتباهه كان في هذه اللحظة مركزا على الحفاظ على توازنه، نظر إلى رفيقه، الذي كان لا يزال يسند ظهره بهدوء على كرسيه، وعلى وجهه ابتسامة.
وقال: «كينيون، سأبحث عن فتاة أخرى.» «ألا تكفيك واحدة؟» «نعم، أريد اثنتين؛ واحدة لي والثانية لك. لا يمكن لأحد أن يتعاطف مع الآخرين إلا إذا وضع في نفس الموقف الذي هم فيه. جون، أريد بعض التعاطف، ولا أحصل عليه منك.»
قال كينيون بهدوء: «ما تحتاج إليه على نحو فوري هو العقلانية، وهذا هو ما أحاول أن أمدك به.» «أنت تفعل كل ما تستطيع في هذا الشأن؛ لكن الإنسان لا يحيا بالعقلانية وحدها. يأتي على الإنسان وقت يرى فيه أن العقلانية لا قيمة لها. أنا لا أقول إن هذا الوقت قد أتى علي بعد، لكني مصر على أن أجعلك في مزاج أكثر تعاطفا؛ لذا، سأسعى لأن أجد فتاة مناسبة لك.»
رد كينيون، بينما تركه صديقه وعبر إلى الجانب الآخر من السفينة متواريا عن الأنظار: «الأكثر احتمالا أنك ستبحث عن فتاتك.»
لم يعد كينيون للتفكير في حساباته بشأن المنجم عندما تركه صديقه. وأخذ يفكر في التطور السريع على نحو غريب للأحداث. وأمل ألا يأخذ ونتوورث الأمر بجدية شديدة؛ لأنه شعر بطريقة ما أن الآنسة بروستر من نوعية الفتيات التي ستتجاهله بعد أن تقتل الوقت معه في رحلة مملة. بالطبع، لم يكن يستطيع أن يقول هذا لصديقه، الذي من الواضح أنه كان معجبا بالآنسة بروستر، لكنه قال له أقصى ما يمكنه ليجعله يأخذ حذره.
قال كينيون لنفسه: «لو كانت مثل هذه الفتاة، ما كنت سأبدي أي اعتراض.» كانت هذه الفتاة المشار إليها فتاة تمشي على سطح السفينة بمفردها لمدة نصف الساعة بمهارة شديدة. إنها لم تكن جميلة مثل الفتاة الأمريكية، ولكن كانت بشرتها أجمل، وكانت هناك حمرة في وجنتيها تشير إلى أنها تنتمي لإنجلترا. إن فستانها لم يكن أنيقا ولا ملائما بشدة على جسدها مثل فستان الفتاة الأمريكية، ومع ذلك، كان ما ترتديه مناسبا للطقس والظروف، وكانت ترتدي قبعة من نوع تام أو شانتر بنية تغطي شعرها الأشقر. كانت تضع أطراف أصابع يديها في جيبي معطفها الأزرق القصير، وأخذت تمشي على السطح بخطى ثابتة وواثقة أثارت إعجاب جون كينيون. وكرر كلامه لنفسه قائلا: «لو كانت مثل هذه الفتاة، ما كنت سأبدي أي اعتراض. هناك شيء غض وأصيل بشأنها. إنها تذكرني بتلال جنوب إنجلترا البهيجة.»
بينما أخذت تمشي جيئة وذهابا، حاول شاب أو اثنان التقرب منها، لكن كان واضحا لكينيون أن الفتاة أعلنت صراحة لهما، على نحو مهذب بالقدر الكافي، أنها تفضل السير بمفردها، وقد رفعا لها قبعتي البحر الخاصتين بهما احتراما لها وتركاها.
صفحه نامشخص
قال في نفسه: «إنها لم تصادق أول رجل يتحدث إليها.»
بدأت السفينة في التأرجح أكثر فأكثر، لكن اليوم كان بديعا والبحر يبدو هادئا. وقد غادر معظم المتنزهين السطح. وقد حافظ اثنان أو ثلاثة منهم على توازنهم بنجاح مرض ولد لديهم الشعور بالفخر الذي يسبق السقوط، لكن لحظة انزلاقهم أتت أخيرا ووجدوا أنفسهم ملقيين قبالة سور السفينة. حينها، ضحكوا بخجل وقاموا وتركوا السطح. والكثير من هؤلاء الذين كانوا جالسين في كراسيهم على متن السطح تركوا أماكنهم وذهبوا إلى غرفهم. كانت هناك لحظة إثارة مفاجئة عندما انخلع أحد الكراسي عن وثاقه وانزلق حتى اصطدم بالسور، محدثا صوت ارتطام قويا. ورفع من كان يجلس عليه من على الأرض وكان في حالة هيستيرية، وأخذ للأسفل. وربط المسئول عن السطح الكرسي على نحو أكثر حزما، حتى لا تقع تلك الحادثة مرة أخرى. وكانت الفتاة الإنجليزية قبالة جون كينيون عندما وقعت تلك الحادثة، وقد تشتت انتباهها بسبب الخوف على سلامة الشخص الجالس على الكرسي المنزلق، وتلاشى اهتمامها بنفسها في أكثر وقت كان مطلوبا فيه. كان الميل التالي الذي تعرضت له السفينة على الجانب الآخر هو الأقوى في هذا اليوم. ارتفع السطح حتى كادت الفتاة التي مالت بجسدها أن تلمسه بيدها، ثم، ورغم محاولاتها، انزلقت بسرعة البرق باتجاه الكرسي الذي كان يشغله جون كينيون، وتعثرت ووقعت على جون على نحو مفاجئ بشدة، وهو الأمر الذي كان سيودي به إذا لم يفعل ذلك السقوط المباغت لفتاة ممتلئة القوام عليه. انكسر كرسي السطح الهش محدثا صوتا عاليا، وكان من الصعب تحديد من كان الأكثر تضررا من الحادثة المفاجئة، جون كينيون أم الفتاة.
قال متلعثما: «أرجو ألا تكوني قد أصبت.»
ردت: «لا تهتم بأمري. لقد كسرت كرسيك، و... و...»
قال كينيون: «الكرسي لا يهم. لقد كان ضعيفا وهشا. أنا لم أصب، إن كان هذا ما تقصدينه؛ ولا يجب أن تهتمي بهذا.»
وهنا، تذكر مقولة جورج ونتوورث: «يجب أن تلقى فتاة بين ذراعيك قبل أن تعترف بوجود ذلك الشيء الذي يطلق عليه فتاة جميلة.»
الفصل الرابع
بالكاد يمكن القول إن إديث لونجوورث نموذج للفتاة الإنجليزية. صحيح أنها قد تعلمت مثل أي فتاة إنجليزية، لكن ليس على تنشئتها المعتادة. لقد فقدت أمها في مرحلة مبكرة من حياتها، وهو ما أحدث فارقا كبيرا في تربيتها، بغض النظر عن مدى ثراء والدها، الذي كان ثريا، دون أدنى شك. إذا سألت أي رجل لندني عن مكانة جون لونجوورث، فستعرف أن «المنزل» سمعته طيبة. يقول الناس إنه محظوظ، لكن جون لونجوورث العجوز يؤكد أنه لا يوجد شيء اسمه الحظ في مجال الأعمال، وهو قول غير صحيح على الأرجح. إن لديه استثمارات كبيرة في كل أنحاء الكرة الأرضية تقريبا. وعندما يدخل أي مجال، فإنه يدخله بقوة. يتحدث الناس عن عدم استحسان وضع كل البيض في سلة واحدة، لكن جون لونجوورث مؤمن بهذا الشيء؛ ومؤمن أيضا بمراقبة السلة. هذا لا يعني أنه يضع كل بيضة في سلة واحدة، أو حتى في نوع واحد من السلال؛ لكن عندما يكون جون لونجوورث مقتنعا بنوعية السلة المقدمة إليه، فإنه يضع عددا كبيرا من البيض فيها. وعندما يعرض عليه أي شيء للاستثمار فيه - سواء كان منجما أو مصنعا للجعة أو خط سكة حديدية - كان يأخذ رأي الخبراء في الأمر، والاحتمال الأكبر أن يتجاهل في النهاية هذا الرأي. لقد كانت لديه عادة الذهاب شخصيا لرؤية ما يعرض عليه. وإذا كان الاستثمار كبيرا بما يكفي، فلم يكن ليتردد في السفر إلى الجانب الآخر من العالم من أجل إلقاء نظرة عليه. صحيح أنه في حالات كثيرة كان لا يعرف أي شيء عن المجال الذي سيستثمر فيه، لكن هذا لم يكن مهما له؛ فقد كان يحب أن يفحص بنفسه المكان الذي سيضع فيه جزءا كبيرا من أمواله. بدا أن الاستثمار بالنسبة إليه نوع من الحدس. وفي أحيان كثيرة عندما كانت تجمع آراء الخبراء على مدى ربحية مشروع ما، وكان يبدو كل شيء آمنا على نحو تام، كان يقوم بزيارة شخصية للمكان موضوع البيع، ويصل إلى قناعة فورية بعدم شرائه. وحينها، كان لا يبدي أي أسباب لرفاقه بشأن تغيير رأيه؛ كان فقط يرفض الاستمرار في النظر في العرض وينسحب من الأمر. وقعت حالات كثيرة من هذا النوع في مسيرته. أحيانا، كانت تخسر شركة كبيرة ورابحة، وكان يتوقع لها مستقبل كبير، وعندما تجري تصفيتها، يتذكر الناس ما قاله لونجوورث عنها. وهكذا تكون لدى من يعرفون السيد لونجوورث العجوز شعور غير مستند على أي أساس علمي مفاده أنه لو كان طرفا في شيء، فإن هذا الشيء آمن، ولو استطاع مؤسس لشركة ما أن يحصل على موافقته على المشاركة فيها، فمن شبه المؤكد أن مشروعه سينجح. •••
عندما انتهت إديث لونجوورث رسميا من تعليمها، أصبحت رفيقة أبيها أكثر فأكثر، وكان عادة ما يشير إليها على سبيل المزاح باعتبارها مساعدته. لقد كانت تسافر معه في أسفاره الطويلة، ولذلك، سافرت العديد من المرات إلى أمريكا، ومرة إلى رأس الرجاء الصالح وأخذتها إحدى الرحلات البحرية الطويلة التي كانت وجهتها أستراليا في جولة كاملة حوال العالم. لقد ورثت إديث الكثير من فطنة أبيها، ولا شك أنه لو قدر لها أن تعتمد في حياتها على نفسها وعلى إمكانياتها فقط، لأصبحت سيدة أعمال ممتازة. وكانت تعرف بدقة نطاق استثمارات أبيها، وكانت كاتمة أسراره على نحو لا تجده سوى في نساء قليلات فيما يتعلق بأقاربهن الرجال. ولقد كان الرجل العجوز يثق بشدة في رأيها، على الرغم من أنه نادرا ما يعترف بذلك. ونظرا إلى أنهما سافرا معا كثيرا في رحلات طويلة، فمن الطبيعي أنهما أصبحا، على نحو ما، صديقين مقربين. وهكذا يتضح لنا أن تعليم إديث كان مختلفا تماما عن تعليم أي فتاة إنجليزية عادية، وتلك التنشئة الخاصة حولتها إلى نوع مختلف من النساء، عما كانت ستكون عليه لو كانت والدتها حية.
نمت ثقة تامة بين الأب والابنة، ومؤخرا فقط حدث ما عكر صفو علاقتهما معا، وهو الأمر الذي لم يتحدث بشأنه أي منهما مرة أخرى منذ فتح الحوار حوله.
صفحه نامشخص