امپراتوری اسلامی
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
ژانرها
فهذا العاهل العظيم الذي ملك الأرضين ودوخ الشعوب، وبلغ من ذلك ما بهر القلوب وشد إليه الأنظار، يرجع إلى نفسه ساعات فيشعر بأن ما يراه هو ويراه الناس العظمة كل العظمة، ليس شيئا إلى جانب ما ارتكب في سبيله من أوزار، وأنه لذلك أحوج إلى رضا الله عنه ولطفه به، حتى لقد يود لو أنه لم يكن عاهلا عظيما، ولم يرتكب كل ما ارتكب من الخطايا.
هنالك تضعف نفسه ويستشعر الندم، ويريد أن يتقدم إلى بارئه بالتوبة، فيسعى إلى المكان المقدس الذي يتوب الناس عنده حاجا مستغفرا مما اجترح في سبيل العظمة التي طالما أغرته وضلته. وهذا الفقير الذي يكد ليله ونهاره لقوته وقوت عياله يشعر بأنه لم يكن دائما طاهر النفس في سعيه وفي كده، وأنه طالما تمنى لجاره ما لا يتمناه لمن يحب، وأنه في سبيل الحياة قد أثم وأذنب، وأنه لذلك في حاجة إلى التوبة تطهره ليعود إلى ربه نقي الروح، جديرا بملكوت الله.
وبين هذين - بين العاهل العظيم والفقير الذي يكد ويسعى لقوته وقوت أهله - تضطرب طبقات الإنسانية المختلفة بين القوة والضعف، وبين اليأس والرجاء، وبين الأمل الخادع والخيبة اللاذعة ، وهي في اضطرابها يعبث بها الغرور تارة، ويعبث بها الضعف أخرى، فإذا عبث بها الغرور أثمت، وإذا عبث بها الضعف أثمت، وعند ذلك تشعر بالحاجة إلى التوجه إلى الله منيبة تائبة من آثام الغرور ومن آثام الضعف جميعا. ثم لا تجد ملاذا لطهر الروح المتعطشة إلى الطهر إلا بالحج إلى الأماكن المقدسة، تعلن عندها التوبة، وتغسل في ظلالها الوزر والحوبة.
من ثم كان شعور الحجاج إذ يبلغون هذه الأماكن المقدسة قويا، فياضا بمعان روحية لا سبيل إلى تصورها في غير هذه الأماكن، وسنرى صورا من ذلك حين الحديث عن كل واحد منها. (2) الكعبة الشريفة
الإسلام أحدث الأديان السماوية الثلاثة التي نزلت في الشرق الأوسط، وقد جاء النبي العربي مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ومع ذلك فبيت الله الحرام بمكة أقدم الأماكن المقدسة بهذا الشرق الأوسط، والسر في ذلك أن الأماكن المقدسة لليهود والنصارى لم تخلع عليها آي القداسة إلا بعد أن نزلت اليهودية وبعد أن نزلت المسيحية. أما الكعبة التي يعظمها المسلمون اليوم، فكانت مقدسة قبل بعث محمد بأجيال طويلة، وكان العرب يحجون إليها أيام الوثنية والأصنام، حتى منع الإسلام غير المسلمين من حج البيت.
وقد ذكر القرآن قدمها في قوله تعالى:
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، وقال تعالى:
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود
إلى قوله جل من قائل:
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
صفحه نامشخص