امپراتوری اسلامی
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
ژانرها
وأنت تتلو معاهدات الصلح التي عقدت في عهد الفتح الإسلامي، فتراها جميعا صريحة في النص على احترام عقائد الأهلين في البلاد المفتوحة واحترام شعائرهم وبيعهم وكنائسهم وأحبارهم ورهبانهم. وقد شعر أهل مصر بعد الفتح العربي بأنهم أكثر حرية في تدينهم بمذهبهم المسيحي مما كانوا عليه حين كانوا خاضعين لسلطان الروم، إذ كان هرقل يحاول إكراههم على تغيير مذهبهم واعتناق المذهب الرسمي الذي فرضه، وتطبيقه في بلاد الإمبراطورية البيزنطية. (2) الحرية والاختلاف المذهبي
لقد حدث بعد ذلك العهد الأول، أن كانت حرية التدين مقيدة في بعض الأزمان، وأن القتال كان ينشب بين أهل المذاهب المختلفة في الدين الإسلامي بسبب هذا الاختلاف المذهبي، لكن هذا الأمر كان يقع في البلاد المسيحية كما كان يقع في البلاد الإسلامية؛ لأن السلطات الدينية في ذلك الوقت هي بعينها السلطات الزمنية، وكانت لذلك تعتبر مذهبها الديني من نظام الدولة، بل أساس هذا النظام، إلا أن هذه الحروب المذهبية كانت تنتهي حينا بظفر مذهب بعينه، وحينا آخر بانهزام هذا المذهب نفسه، هي التي أقنعت الناس بأن العقائد لا تفرضها القوة إنما يؤدي إليها الاقتناع.
وليس للاقتناع سبيل غير حرية الرأي وحرية الدعوة إليه، فإذا اقتنع الناس بما تنطوي عليه هذه الدعوة، اطمأنوا إلى الرأي فاعتقدوه وآمنوا به.
وهذا التطور هو الذي انتهى بإقرار الدساتير الحرة لحرية التدين، كما أنه هو الذي دعا إلى إيضاح هذا المبدأ في ميثاق الأطلنطي ليكون من الأسس التي يقوم عليها عالم ما بعد الحرب. وإقرار هذا المبدأ يؤدي إلى أن ينظر الناس بعضهم إلى بعض - على اختلاف أديانهم - نظرة احترام متبادل، وأن يلتمسوا في مقررات أديانهم المختلفة وسائل التقريب بينهم بدون أن يلتمسوا في هذا المقررات أسباب التنازع والشحناء، فالأديان كلها تدعو إلى مبادئ سامية غاية السمو وتناجي الوجدان بأرفع المعاني، وتدعو الناس ليتوجهوا إلى الله بقلب سليم يربط بينهم بروابط الأخوة والمحبة والسلام.
ونحن المسلمين ننظر إلى الأديان الكتابية نظرة تقديس لأننا نؤمن بما أوتي عيسى وموسى وإسحاق ويعقوب والنبيون من قبلهم، ونؤمن بأن الله الواحد هو الذي هداهم ويهدي من يشاء طريق الخير وسواء السبيل. (3) حرية العقيدة والتقدم
وقواعد الخلق المقررة في الأديان كلها أساسها الحق والخير والإيثار النفسي والعفو عند المقدرة وما إلى ذلك من فضائل تعارف الناس في كل الأمم وفي كل العصور على أنها قوام السعادة للإنسان.
وليس بين الأديان دين يدعو إلى البغضاء أو الانتقام أو إلى نقيصة من النقائص، وهي فيما تدعو إليه من الفضائل تسمو بالنفس الإنسانية إلى المجد الأرفع، وتناجي خير عناصرها لتزداد سموا ورفعة.
لذلك كان المتدين الحق، الصادق الإيمان المطمئن العقيدة، أدنى الناس إلى الكمال أيا كانت العقيدة التي يؤمن بها؛ لأن العقائد على اختلافها تدعو إلى السمو الإنساني وتحقق غاية الحياة.
إذا أدت حرية العقيدة إلى أن يتبادل الناس الاحترام، وأن يلتمسوا في الأديان المختلفة أسباب الكمال عن طريق التسامح والأخوة والمحبة، كان ذلك من أكثر العوامل الدافعة للتقدم، المؤدية إلى استقرار السلام في العالم، فإنما نشبت الحروب وقامت الثورات الكبرى لأن كثيرين كانوا يشجعون على تجسيم ما بين الناس من أسباب الخلاف ، فتتسع هوة هذا الخلاف بينهم ويصبح سببا للبغض وللعدوان التي تنتهي إلى التنازع وإلى الحرب. وقد اتخذوا الأديان ذريعة لإثارة أسباب العداوة في بعض العصور، وإثارة هذه الأسباب هي التي أدت إلى الحروب الصليبية بين المسلمين والنصارى، وإلى ما كان بين البروتستانت والكاثوليك من اضطهاد ومجازر.
ولو أن حرية العقيدة كانت مبدأ مقررا في سالف العصور لعرف الناس التسامح ولما امتحنت الإنسانية بما امتحنت به، ولما أصابها يومئذ من الويلات ما أصابها.
صفحه نامشخص