امپراتوری اسلامی
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
ژانرها
أحسبني بما تقدم قد أقمت الدليل على أن شعار الديمقراطية متحقق في الإسلام على أتم وجه وأكمله، كما أقمت الدليل على أن هذه المبادئ أساسية في الإسلام مثلها في الديمقراطية سواء. أما والنتيجة اللازمة لهذه المبادئ في نظام الحكم أن يقوم في صورة من صور الحكم الديمقراطي المختلفة، فالشورى الإسلامية واحدة من هذه الصور لا ريب، والدفاع عنها دفاع عن مبدأ إسلامي سليم.
على أن التقاء الإسلام والديمقراطية في الأمور الجوهرية لا يقف عند هذه المبادئ العامة بل يتناول غيرها مما يتصل بها أو يترتب عليها. (2) التشريع والقضاء
الحرية، والإخاء، والمساواة، شعار الديمقراطية الحديثة، وهي كذلك من المبادئ الأساسية في الإسلام، ذلك ما أقمنا عليه الدليل. وهذه المبادئ المترتبة على الحقوق الطبيعية للإنسان في الديمقراطية وفي الإسلام جوهرية للجماعة بمقدار ما هي جوهرية للفرد. وهي بهذه المثابة أساس التضامن الاجتماعي، وأساس النظام الذي يقوم عليه الحكم سواء في الديمقراطية أو في الإسلام.
وقد أشرنا إلى أن هذه المبادئ تقتضي حتما حكم الشعب نفسه، عن طريق التمثيل الصحيح والمناقشة الحرة والتسليم برأي الأغلبية، وأول مظهر لهذا الحكم إنما يتجلى في التشريع وفي القضاء. فليس من حق فرد بالغة ما بلغت مكانته من السمو، أن يشرع للمجموع على كره منه أو أن يلزم الشعب قوانين تأباها إرادته الحرة.
وليس من حق فرد، بالغة ما بلغت مكانته، أن يجعل إرادته المطلقة فيصلا في القضاء بين الناس، بل لا بد للقضاء من قواعد يجري عليها، تتفق وإرادة الشعب وتكفل حقوقه الطبيعية. ولا بد للقضاة من استقلال يجعلهم إذ يحكمون لا يرعون في قضائهم إلا القانون وقواعد العدل وما ترضاه ضمائرهم النزيهة الطاهرة. وهذه القواعد التي تقررها الديمقراطية الحديثة هي بعينها القواعد التي يقررها الإسلام.
ولعلك إذا رجعت إلى قواعد القضاء والتشريع في الأمم الإسلامية رأيتها أقرب ما تكون في صورتها لقواعد القضاء والتشريع في إنجلترا في عهدها البرلماني الذي يمثل مبادئ الديمقراطية أصح تمثيل، فقد ألف الناس في إنجلترا إلى عهد قريب جدا ألا يقوم العدل على قواعد من التشريع البرلماني ويلجأ إلى تغييرها من حين إلى حين حسب ما تقضي به الظروف.
وإنجلترا لم تألف هذا التقليد الفرنسي في التشريع إلا من عهد قريب، وهي لم تألفه إلا في المسائل الاجتماعية المتصلة بالسلطة العامة أكثر من اتصالها بمعاملات الأفراد وعلاقاتهم بعضهم ببعض. أما فيما خلا ذلك، فمرجع التشريع الإنجليزي إلى أحكام القضاء التي تثبت قواعدها على الزمن فيرضاها الناس ويتخذونها شرعا لهم في معاملاتهم، ثم تصبح في إنجلترا كلها قانونا يطبق على الجميع ويسترشد به القضاة للفصل فيما يعرض عليهم من المنازعات.
وأنت إذا أردت أن ترجع إلى كتاب من كتب القانون في إنجلترا، لأمر يتعلق بالمعاملات المدنية أو التجارية أو بالعقوبات أو الشئون الدولية الخاصة والعامة، فأكثر ما تقع عليه من الكتب التي تكشف لك عما تبحث عنه كتب القضاء وأحكامه، وما تنطوي عليه هذه الأحكام من مبادئ، تطبق في القضايا المماثلة في أنحاء الدولة جميعا.
هذا النظام بعينه كان ولا يزال الأساس للقضاء وللفقه عند المسلمين، فكتب الفتاوى هي المرجع الأول للأحكام. وأنت إذا أردت أن تبحث موضوعا فقهيا أو قضائيا، فأكثر ما ترجع إليه كتاب ابن عابدين والفتاوى الحامدية والفتاوى الهندية وما إليها إذا كنت تريد أحكام الفقه الحنفي.
ومثل هذه الكتب تماما هي ما نرجع إليه لمعرفة أحكام المذاهب الأخرى. وهذه الكتب كلها من طراز الكتب الإنجليزية التي أشرنا إليها، فكلها تذكر قضايا فصل فيها القضاة برأي أصبح مبدأ تشريعيا مسلما به، وأصبح لذلك مرجعا للقضاة ولجميع المشتغلين بالقانون والفقه من بعد.
صفحه نامشخص