امپراتوری اسلامی
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
ژانرها
وقد بدأت هذه العوامل الأجنبية يتضح أثرها منذ العهد الأول للإسلام، وكانت أولى المظاهر التي بدت بهذه العوامل الأجنبية ما كان من قتل أبي لؤلؤة، غلام المغيرة، عمر بن الخطاب الخليفة الثاني، ثم ما كان من مؤامرة انتهت إلى قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وما حدث بعد ذلك من ثورة شبت نارها وتلظت الحرب بسببها بين علي ومعاوية، فأبو لؤلؤة فارسي، وكانت مصر ذات يد في المؤامرة على عثمان، وكانت الشام تؤيد عليا. هذه العوامل الخارجية الآتية من فارس ومصر والشام هي التي نقلت النظام الإسلامي من الخلافة وإمارة المؤمنين إلى الملك الذي توارثه بنو أمية، فبنو العباس، فمن جاء بعدهم من الملوك في أقطار العالم الإسلامي المختلفة.
وهذه العوامل الخارجية هي التي رسمت الإطار الخارجي لصورة الحكم الإسلامي منذ العهد الأول، فبعد أن كان هذا الإطار عربيا صرفا في عهد النبي، وفي عهد أبي بكر، وبعد أن كانت البساطة العربية تطبعه، حمل الفتح الإسلامي عمر بن الخطاب على إنشاء الديوان، ثم أدى امتداد الفتح إلى تنظيم الحكومة الإسلامية في حدود الدين الجديد، على مثال الحكومات القائمة في بلاد فارس وفي بلاد الروم.
وكان لهذا التطور الأول أثره في الحياة العامة، وإن لم يبعد بها عن الصورة العربية إلى مثل ما حدث من بعد في العهد العباسي والعهود التي تلته. وظل هذا التطور يتصل من بعد ذلك على الأجيال، وظل الفقهاء يستنبطون القواعد والأحكام من الكتاب والسنة والإجماع، فيعاونون التطور بعلمهم ليبلغ غاية مداه. (3) تطور نظام الحكم
لم يضع النبي العربي نظاما مفصلا للحكومة الإسلامية، على أن ما جاء به من عند الله تنظيما لقواعد السلوك والمعاملات كان مقدمة لتنظيم سياسي لا مفر من استقراره. وقد بدأ هذا التنظيم السياسي تطوره البطيء من عهد النبي، ثم كان تطوره أكثر وضوحا عقب حروب الردة. فلما اتسعت رقعة الفتح الإسلامي بدأت العوامل الخارجية تحدث أثرها في هذا التطور. وكان أثر هذه العوامل بعيدا عن القواعد الإسلامية أحيانا، مناقضا لها كل المناقضة أحيانا أخرى.
وكانت النظم القائمة في الروم وفي فارس هي التي تأثر بها نظام الحكم الإسلامي منذ أنشأ عمر الديوان، ثم ازداد تأثرا بها في عهد عثمان. فلما قامت الدولة الأموية، واتخذت دمشق مقرا لها، كان طبيعيا أن تزداد هذه العوامل أثرا في تصوير الإطار الخارجي لنظام الحكم، على أن الروح العربية ظلت سائدة إلى حد كبير في عهد بني أمية؛ لأن الذين كانوا يضطلعون بأعباء الحكم ومناصب الدولة الكبرى كانوا من العرب. فلما انتقل الأمر إلى العباسيين، بدأ الأثر الخارجي يبدو أكثر وضوحا؛ لأن الفرس كانوا أصحاب نفوذ كبير في شئون الدولة.
هذا، ثم إن العهد العباسي امتاز بنقل الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية؛ لذا بدأت نظريات هذه الفلسفة تعمل عملها في تطوير الحياة العامة للدولة الإسلامية. صحيح أن الفقهاء والمحدثين، ومن إليهم، عنوا في ذلك العهد باستنباط القواعد والأحكام من الكتاب والسنة، أو مهدوا بذلك لوضع التشريع الإسلامي، لكن كثيرين من هؤلاء الفقهاء والمحدثين، وكثيرين من الكتاب والمفكرين، كانوا من غير العرب، فكان طبيعيا أن تؤثر وراثتهم العقلية في أحكامهم وفي منطقهم. ثم إن النظام الذي كان قائما في فارس، وفي بلاد الروم يجعل لولي الأمر سلطانا مطلقا، فكان من أثر ذلك أن تطورت الفكرة الأساسية في الحكم إلى النقيض لما كانت عليه في أول العهد الإسلامي. ثم كان من أثره أن شاعت فكرة هذا الحكم المطلق متنقلة من أمير المؤمنين إلى الحكام والولاة، وإلى من دونهم من سائر من يتولون منصبا من مناصب الدولة ذا أثر في توجيه حياة الناس ومنافعهم.
فكرتان
لما بويع أبو بكر بالخلافة خطب الناس فقال:
لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني ... أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
وهذا كلام صريح في أن الخليفة وكيل عن الأمة، وأن للأمة وهي الأصيل أن تراقبه وأن تقومه، وأن تطيعه في حدود توكيله. وكان عمر بن الخطاب يقول للناس: «من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه.» فيقول له أحد الناس: «والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا.»
صفحه نامشخص