بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: اعلم أن الأمر المسمى إقبالا ودولة وإن كان القول في سببه والنظر فيه والإبانة عنه عسرا غامضا وطويلا بعيدا فإن لمجيئه وموافاته إمارات وشواهد مبشرة به. وغرضنا في هذه المقالة ذكر بعض هذه الإمارات باختصار وإيجاز ما أمكن ذلك فنقول وبالله التوفيق: إن من إمارات الإقبال التنقل والعلم الذي يقع للمرء ضربة واحدة ورفعه إلى حال جليلة بالإضافة إلى ما كان عليها. وذلك أن حدوث مثل هذه الحال يدل على تيقظ السعادة له - كائنا ما كان. عن أي سبب كان إلهي كان أو طبيعي - بقوة قوية لا تكاد تقصر وتني وتخمد سريعا لفرط قوتها وغزارة مادتها. والدليل على ذلك إضطلاعها بنقل المنقول هذا النقل الغريب البديع الذي لا يمكن أن يحدث من قوة مهينة ولا نزرة مادة، فوقوع النقلة من حاله إلى ما هو أجل منها كثيرا جدا من إمارات وفور قوة الناقلين وغزارتها ومن أجل ذلك هو أحب الأسباب الدالة على الإقبال ومن إمارات الإقبال والدولة اتساق الأمور واطرادها ومجيئها ووقوعها على موافقة التنقل المدال ولو في دقائق الأشياء وخسائسها فضلا عن جلائلها وعظائمها، لأن ذلك يدل على أنه مسوس ومكفى ومؤيد بقوة غير قوته وأنه متكفل به ومصنوع له وقد كانت قدماء الملوك وأجلتهم يستدلون بما يقدم إليهم الطباخون من الأطعمة التي كانت تقع بوقوع شهواتهم - من غير أن يكونوا تقدموا إليهم فيها
صفحه ۱۳۶