ولم يكتف شيخ الإسلام بشيوخ عصره، بل أخذ عن الشيوخ المتقدمين، والعلماء السالفين، الذين لم يدركهم، فطالع مصنفاتهم، واستظهر مؤلفاتهم.
ويبدو للناظر أن سرَّ عظمة شيخ الإسلام وبلوغه في العلم والمكانة شأوًا لا يكاد يلحق فيه، ليس بسبب شيوخه ومعلميه، بقدر ما هو نبوغه وذكاؤه المفرطين اللذين كان يرعاهما توفيق الله ﷿ وعنايته.
وقد أعطى الله هذا الإمام ذاكرة قد بلغت في الحفظ والقوة والإتقان غاية لم يكد يصل إليها أحد من الناس -إلا قليلًا- وزاد من ذلك حرص عجيب على التحصيل، وصرف الوقت والجهد في الطلب، ومتى اجتمع هذان الأمران في شخص كان من أكابر العلماء البارزين.
يقول الإمام الذهبي ﵀: "وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث .. " (١).
وقال أيضًا ﷺ: "وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث .. " (٢).
ويقول عه تلميذه الحافظ البزار ﵀: "وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان .. " (٣).
وقال الحافظ ابن رجب ﵀ بعد أن ساق عبارة قريبة من عبارة الحفاظ البزار: "حتى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئًا فينساه .. " (٤).
_________
(١) شذرات الذهب (٨/ ١٤٤).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٩١)، وقال بها ابن الوردي كما ذكر صاحب جلاء العينين (١٠)، وقال ابن عبد الهادي مثل هذا في العقود الدرية (٢٠).
(٣) الأعلام العلية (٩).
(٤) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٨٨).
1 / 26