234

أو من الذين حوله من خدم وأهل وقبيلة ، أو جند ودولة ، وهذه الهيبة لا تختص بقوم ، فإن كل من تلبس بأحد هذه الشؤون اكتسى هذه الهيبة ، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمى الهيبة المصطنعة.

وقد تكون للمرء من دون أن يحاط بجيش وخدم وعشيرة ودولة وإمرة وكبرياء ، تلك الهيبة التي لا تكون باللباس المستعار ، بل هي التي يفيضها الله تعالى على من يشاء من عباده ، تلك الهيبة التي لا يزيلها التواضع وحسن الخلق والانبساط ، تلك التي يلبسها العلم والعمل به ، من أراد عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان ، فليخرج من ذل معصية الله الى عز طاعته ، وإن من خاف الله أخاف منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء ، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمى الهيبة الذاتية.

إن المنصور كان صاحب تلك الهيبة المصطنعة ، ومن أوسع منه ملكا ، وأكثر جندا ، وأقوى فتكا؟ ولكنه كان اذا نظر الى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وهو عازم على قتله هابه وانثنى عن عزمه.

يقول المفضل بن عمر : إن المنصور قد هم بقتل أبي عبد الله عليه السلام غير مرة فكان اذا بعث إليه ودعاه ليقتله فاذا نظر إليه هابه ولم يقتله (1) ولا تختلف هذه الهيبة لأبي عبد الله عليه السلام باختلاف الناس معه فإن كل واحد يشعر من نفسه بتلك الهيبة له ، سواء الولي والعدو ، والمؤالف والمخالف ، فهذا هشام بن الحكم كان جهميا قبل أن يقول بالإمامة ، ولما التقى بالصادق عليه السلام في صحراء الحيرة سكت وأطرق هيبة وإجلالا وهو اللسن المفوه ، فأحس أن هذه الهيبة هي الهيبة التي يجلل الله بها أنبياءه وأوصياءهم

صفحه ۲۳۷