النفوس في بلادهم ، ولكن من الذي يجهر بتلك الأماني والرعب من الشام آخذ بالقلوب ، وكيف ينسى الناس تلك القسوة والسطوة وجندهم أهل الشام ولم يطل العهد على حادثة الطف التي أظهر فيها الأمويون فنون الارهاب وضروب اللؤم والانتقام ، ولا على واقعة الحرة التي أبانوا فيها غرائب الخسة والدعارة والهتك للحرمات والمحارم والسفك للدماء البريئة ، ولا على حصار البيت من يزيد مرة ، ومن عبد الملك أخرى حتى رمته المجانيق وأضرموا فيه النار فهدموه ، ولا على قتل زيد وصلبه وإحراقه ، وقتل يحيى وصلبه ، والحوادث المثيرة التي أنزلوها بالناس ، من دون أن يجدوا حرمة لحريم ولا رادعا عن محرم ، فكأن النفوس والنفائس والأعراض والعروض لم تكن إلا طعمة لهم ، ومنفذا لشهواتهم ، فكيف والحال هذه يجهر ابن حرة بعداء بني أمية ، أو يتظاهر بالكيد لدولتهم.
نعم لم تأمل الناس من أحد أن ينتزع منهم التيجان ، ويسلبهم السلطان غير بني هاشم ، لأنهم أرباب ذلك العرش ، سواء كانت الخلافة بالنص أو القربى أو الفضيلة فصارت الناس تستنهضهم سرا ، وتحثهم على الوثبة همسا.
غير أن في الهاشميين رجالا كثيرة تصلح للرئاسة ، وتقوى على التدبير والسياسة ، أفيثب بهم رب الخلافة وربيب الامامة أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ، أم عبد الله بن الحسن فاضل بني الحسن وشيخهم أم ابنه محمد من جمع من المكارم كل خلة ، أم أخوه ابراهيم أبي الضيم ، أم ابراهيم بن محمد العباسي ، أم أخواه السفاح والمنصور ، أرباب الهمم والشمم ، أم عبد الله بن معاوية الجعفري الذي أهلته المفاخر والمكارم لذلك المقام ، أم سواهم وهم عدة كاملة ، لو رشح نفسه كل فرد منهم لتلك الزعامة لزانها بجميل خصاله.
صفحه ۲۴