(1) قوله: وأجرى ...الخ: قال القطب الرباني عبد الوهاب الشعراني في الميزان الكبرى: قد تقدم أن الله لما من علي بالاطلاع على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها، ورأيت مذاهب الأئمة الأربعة تجري جداولها، ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة، ورأيت أطول الأئمة جدولا الأمام أبا حنيفة، ويليه الإمام مالك، ويليه الشافعي، ويليه أحمد، وأقصرهم جدولا مذهب داود، وقد انقرض في القرن الخامس، فأولت ذلك بطول العمل بمذاهبهم وقصره، فكما كان مذهب أبي حنيفة أول المذاهب المدونة تدويا فكذلك يكون آخرها انقراضا، وبذلك قال أهل الكشف. انتهى. ثم قال: ويؤيدنا حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديم)، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين، فهو صحيح عند أهل الكشف، وسمعت شيخنا، شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول مرارا: عين الشريعة كالبحر فمن أي الجوانب اغترفت منه فهو واحد. وسمعته أيضا يقول: إياكم أن تبادروا بالإنكار على قول مجتهد، أو تخطئته إلا بعد إحاطتكم بأدلة الشريعة كلها، أو معرفتكم بجميع لغات العرب التي احتوت عليها الشريعة، ومعرفتكم بمعانيها وطرقها، فإذا لاحظتم بها كما ذكرنا فحينئذ لكم الإنكار، وأنى لكن بذلك، فقد روى الطبراني مرفوعا إن شريعتي جاءت على ثلاثمئة وستين طريقا ما سلك أحد طريقا منها إلا نجا. انتهى كلامه. قلت: هذا الذي ذكره في مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - في أنه آخر المذاهب انقطاعا هو الذي غر بعض المتأخرين فصرح بأن خليفة الله المهدي وسيدنا عيسى عندما ينزل من السماء لقتال الدجال يقلدان مذهب أبي حنيفة ويحكمان بمذهبه، وهذا قول مردود، لا دليل عليه من الأدلة الظاهرة والباطنة الكشفية، فقد نص المحققون على أنهما مجتهدان مستقلان لا يحتاجان إلى التقليد، وإن شئت تفصيل هذا المبحث فارجع إلى ميزان الشعراني، ورسالة السيوطي المسماة بالإعلام في حكم عيسى عليه السلام، ورسالة علي القاري المسماة بالمشرب الوردي في مذهب المهدي، وكذا من الأقوال المردودة قول أن الخضر على نبينا وعليه السلام تعلم من الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - صرح به علي القاري وغيره، ولا حاجة لنا في مدح سيد الأئمة أبي حنيفة - رضي الله عنه - إلى هذه المداح الكاذبة، فإن له مناقب صحيحة وافرة، لا ينكرها إلا الفرقة الفاجرة، كما بسطنا ذلك في تصانيفنا. غيث الغمام.
صفحه ۴