الخامس: إنه لو كفى مثل هذه الاحتمالات لرفع الالزام لم يستقر إيراد ولا ملام على من يدعي الإجماع في مسألة أصلية أو فرعية؛ لاحتمال أن يكون المراد بالإجماع قول أكثرهم، أو يحذف لفظ: جمع منهم، وبطلانه أظهر من أن يخفى، فلم يزل أهل العلم والنهى يطعنون على من يدعي الإجماع في موضع مختلف فيه ويبطلون قوله ونقله بإبراز اختلاف فيه، حتى قال الإمام أحمد وناهيك به جلالة وقدرا : من ادعى الإجماع فهو كاذب(2) . استبعادا؛ لوجوده ردا على من يتسارع إلى دعواه جزما، ولو سهل في كل موضع حمل الإجماع والإتفاق على ما حمله عليه الناصر القاصر لم يستقم التكذيب، ولا الإنكار على مدعي الإجماع بحسب الظاهر.
السادس: إن لفظ: الاتفاق؛ المضاف إلى أهل الحديث لا يشك أحد في أنه موهم؛ لعدم اختلافهم فيه، وإن كان مرادك اتفاق بعضهم أو أكثرهم مع خلاف فيه، فإن هذا المراد إنما يطلع عليه المريد لا غيره ممن ينظر كلامه ويستفيد، إلا أن يقيم القرينة على هذه الإرادة، وإذ ليست فليست، وايراد مثل هذا الموهم في ترجمة مثل هذا الإمام ليس من شأن العلماء الكرام، بل مثل هذه الخدعة لا يرتكبها إلا متعسف ملام، ومثل: هذه المكيدة لا يكتسبها إلا متعصب ذو أوهام.
السابع: إن إنكار جمع من المحدثين كون الإمام أبي حنيفة من التابعين، وان كان صحيحا لكن نسبة ذلك إلى أكثرهم أو جمهورهم كما صدر من ناصرك في توجيه كلامك باطل يقينا، وليأت من يدعي ذلك ناصرا كان أو منصورا ببرهان نقلي على ذلك ليكون منصورا، ولا يكفيك في هذا الباب نقل عبارات بعض الأصحاب الدالة على ذلك الإنكار، ولو بلغت إلى عدد كثير بحسب الإحصاء والإحصار، وإنما سبيل ذلك أحد أمرين:
1. إما أن تنقل عبارة صريحة ممن يعتمد تدل عليه.
2. وإما أن تضبط أسماء المحدثين في موضع واحد، وتثبت اتفاق أكثرهم: أي ما زاد على نصفهم بذكر عباراتهم الدالة عليه.
ولعلمي هذا الأمران خارجان عن قدرتك وقدرة ناصرك، فإن لم يفعل ولن يفعل حتى يلج الجمل في سم الخياط، فليحذر من مثل هذه الدعاوي الكاذبة المورثة إلى الهباط والمياط(1)، وبهذا حصحص لك أن ما نصره به ناصرك بنقل عبارات بعضهم مما يدل على إنكارهم لا يجدي نفعا ولا يفيدك شيئا، وتفصيل ذلك أن العبارات التي ذكرها تسعة:
صفحه ۵۶