أما جاء في الكافية١ بأنه ذكر المسألة هكذا: "وقد اختلف الذين قالوا: بالفرق في أنه هل يكفي في الفرق الاقتصار على ما ذكر معنى آخر في الأصل بحكمه من غير أن يصرف عكسه في خلاف حكمه إلى الفرع؟ ".
فذهب أبو العباس ابن سريج إلى أنه يكفيه ذلك ويصير بذلك مانعا له من علته في حكمه.
قال: "لأنا إذا سميناه: معارضة في الأصل اكتفى بمعنى واحد في المعارضة، ولا يكون من شرط المعارضة ذكر معنى آخر في موضع آخر على عكسه في حكمه، كما أن ابتداء المعارضة يكتفي فيها بذكر معنى آخر".
باب: الاجتهاد والتقليد
(١) مسألة: هل للمجتهد أن يستفتي مجتهدا آخر؟:
معنى ذلك هل أن المجتهد يمكن أن يستفتي مجتهدا آخر في حكم مسألة من المسائل لم يجتهد بعد في معرفة حكمها أم لا؟. اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز للمجتهد أن يقلد مجتهدا آخر فيما يخصه إذا كان بحيث لو اشتغل بالاجتهاد لفاته الوقت"٢. وقد استدل بالأدلة الآتية:
أولًا: قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون﴾ ٣.
وجه الاستدلال: أن العالم قبل أن يجتهد لا يعلم فوجب أن يجوز له السؤال.
ثانيا: قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ ٤.
وجه الاستدلال: العلماء من أولي الأمر، لأن أمرهم ينفذ على الأمراء والولاة.
ثالثا: قوله ﷿: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين﴾ ٥.