الزام ناصب
إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
وترك حميره فصحنا إليه باسمه وتسمينا له ، فرجع وقال : يا ويلكما إن أهاليكما أقاموا عزاءكما ، قوما لا حاجة لي في الحطب ، فقمنا وركبنا تلك الأحمرة فلما قربنا من البلد دخل أمامنا وخبر أهلنا ، وفرحوا فرحا شديدا وأكرموه وأخلعوا عليه ، فلما دخلنا إلى أهلينا سألونا عن حالنا فحكينا لهم بما شاهدناه فكذبونا وقالوا هو تخييل لكم من العطش.
قال محمود : ثم أنساني الدهر حتى كأن لم يكن ولم يبق على خاطري شيء منه حتى بلغت عشرين سنة وتزوجت وصرت أخرج في المكاراة ولم يكن في أهلي أشد مني نصبا لأهل الايمان سيما زوار الأئمة بسر من رأى ، فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقة وغيرها ، وأعتقد أن ذلك مما يقربني إلى الله تعالى ، فاتفق أن أكريت دوابي مرة لقوم من أهل الحلة وكانوا قادمين إلى الزيارة ومنهم ابن السهيلي وابن عرفة وابن جارب وابن الزهدري وغيرهم من أهل الصلاح ومضيت إلى بغداد وهم يعرفون ما أنا عليه من العناد ، فلما خلوا بي من الطريق وقد امتلئوا علي غيظا وحنقا لم يتركوا شيئا من القبيح إلا فعلوه بي وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم ، فلما وصلنا بغداد ذهبوا إلى الجانب الغربي فنزلوا هناك وقد امتلأ فؤادي حنقا فلما جاء أصحابي قمت إليهم ولطمت على وجهي وبكيت. فقالوا : ما لك وما دهاك؟ فحكيت لهم ما جرى من اولئك القوم فأخذوا في سبهم ولعنهم ، وقالوا : طب نفسا فإنا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا ونصنع بهم أعظم مما صنعوا ، فلما جن الليل أدركتني السعادة فقلت في نفسي إن هؤلاء الرفضة لا يرجعون عن دينهم بل غيرهم إذا زهد يرجع إليهم فما ذلك إلا لأن الحق معهم ، فبقيت متفكرا في ذلك وسألت ربي بنبيه محمد صلى الله عليه وآلهوسلم يريني في ليلة علامة أستدل بها على الحق الذي فرضه الله تعالى على عباده ، فأخذني النوم فإذا أنا بالجنة قد زخرفت وإذا فيها أشجار عظيمة مختلفة الألوان والثمار ليست مثل أشجار الدنيا ، لأن أغصانها مدلاة وعروقها إلى فوق ورأيت أربعة أنهار من خمر ولبن وعسل وماء وهي تجري وليس لها زاجر بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت ، ورأيت نساء حسنة الأشكال ورأيت قوما يأكلون من تلك الثمار ويشربون من تلك الأنهار وأنا لا أقدر على ذلك ، فكلما أردت أن أتناول من الثمار تصعد إلى فوق وكلما هممت أن أشرب من تلك الأنهار تغور إلى تحت ، فقلت للقوم : ما بالكم تأكلون وتشربون وأنا لا أطيق ذلك؟
صفحه ۱۶