قرأت خطابك وأعجبني منك الدقة في النظام، واستقلالك بنفسك في تصرفك، واستفادتك من كل ما ترى، وأكتب إليك اليوم فأخبرك:
بأنه كان لك قريب من أعيان المنوفية ورث عن أبيه ثروة كبيرة تقدر بنحو ثلاثمائة فدان، ولكنه وقع في عادة سيئة هي لعب القمار، وكان مغفلا فكان يشتريه اللاعبون بعضهم من بعض، وما زال به القمار حتى خسر كل أطيانه، وكان يستجدي أخته فلا تعطيه وتقول له إن ثروتك كانت ضعف ثروتي فأضعتها، ثم كان يستجدي قريبة له ولك فكانت تعطيه الجنيه أو الجنيهين شفقة به حتى مات بائسا!
وكان أحد معارفنا رجل قانون كبيرا وذا عقلية جبارة؛ كان إذا حدثك عن القمار شرحه شرحا وافيا وفلسفه فلسفة دقيقة، ومع ذلك وقع في هذه العادة السيئة، فكان يسهر ليله كله على مائدة القمار حتى أضاع ثروته، ثم اضطر آخر الأمر أن يبيع بيته ويصرف ثمنه في الميسر، ثم اضطر أن يبيع أثاث بيته حتى أضاع كل شيء، ثم مد يده لأقاربه الأغنياء فأعطوه مرة ثم كفوا أيديهم عنه، وركبه الهم الثقيل فانفجر شريان في مخه فمات، ولا يزال بيته يذكرني بمأساته. رحمه الله.
أعرف مصلحا اجتماعيا كبيرا، وعاقلا دقيقا لبقا، هوى اللعب في البورصة فكسب نحو مائة ألف جنيه في لعبة، وابتنى منزلا فخما، وأثثه أثاثا فخما، ثم خسرها في لعبة أيضا، وباع بيته الذي بناه، وأثاث بيته، وركبه الهم أيضا، فالتجأ إلى الخمر يسري بها عن همه. فما زال كذلك حتى وقع في عادة الخمر كما وقع في عادة الميسر، وأفرط في الشرب حتى انفجر مخه فمات!
أي بني!
إني أحذرك أن تكون كأحد هؤلاء تستهويهم المائدة فيلتفون حولها، وللشيطان مداخل في ذلك، فهو يستهوي أولا بالجلوس على المائدة من غير لعب للتفرج على اللاعبين، ثم يستهويك باللعب من غير نقود، ثم يجرك إلى اللعب بالنقود، فإذا أنت مقامر، أعاذك الله.
أي بني!
وأعرف طبيبا كبيرا ماهرا في صناعته، جره أصدقاؤه إلى اللعب فقضى ليله لاعبا يكسب كثيرا ويخسر كثيرا، ثم ضجت زوجته من طول سهره، ومن كثرة خسارته، فطلبت منه الطلاق فطلقها، وسعدت، وندم.
أي بني!
يجب أن تكون لك ميزانية كميزانية الدولة المنظمة تعرف مقدار دخلك وخرجك ، ولا تصرف قرشا أكثر من دخلك.
صفحه نامشخص