آثار شيخ ابن تيمية وما لحقها من أعمال (١١)
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية
تأليف
العلامة برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن قيم الجوزية (المتوفى ٧٦٧ هـ)
تحقيق
سامي بن محمد بن جاد الله
إشراف
بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
1 / 103
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا كتاب "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية" للبرهان ابن ابن قيم الجوزية، وهو حلقة ضمن سلسلة المؤلفات التي اعتنت بجمع اختيارات الشيخ، ويعد -باعتبار الترتيب الزمني- الكتاب الثاني في هذا الباب، وقد سبق طبع الكتاب أكثر من مرة -كما سيأتي- ولكن ثمة بعض الأسباب دعت إلى إعادة تحقيقه، وهي:
١ - عدم توافر الطبعات السابقة في المكتبات.
٢ - أن إدراج هذا الكتاب ضمن هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله تعالى- أدعى لسعة انتشاره، وحفظه من الضياع.
٣ - الوقوف على نسخة خطية للكتاب، تختلف عن النسخة التي طبع عنها.
مميزات "الاختيارات" للبرهان:
كتاب البرهان هو جزء صغير في حجمه، ولكنه امتاز بعدة ميزات:
1 / 105
١ - أنه ثاني كتاب يؤلف في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية بعد كتاب ابن عبد الهادي.
٢ - أن مؤلفه ابن وتلميذ لأخص أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو العلامة ابن القيم.
٣ - أن مؤلفه قدَّم له بمقدمة ذكر فيها نتيجة استقرائية للمسائل التي نسب إلى الشيخ الانفراد بها، فذكر أن تلك المسائل تنقسم إلى أربعة أقسام يجمعها أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد سُبق في كل قول اختاره من إمام فأكثر، ثم مثَّل لكل قسم منها بجملة من المسائل، ولعل البرهان رحمه الله تعالى هو أولى من ذكر هذا التقسيم الدقيق (^١).
قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد: (قام العلامة البرهان بالتتبع والاستقراء لاختيارات الشيخ رحمه الله تعالى وصنَّفها على أقسام أربعة. . فذكر في كل قسم جملة من الاختيارات بلغ مجموعها ثمان وتسعين مسألة.
وذكره لها على صفة رؤوس المسائل عند المتقدمين على سبيل الاختصار، لكنها محررة ومفيدة جدًّا، إذ يقف الناظر فيها في نظرات يسيرة على طائفة كبيرة من تلكم الاختيارات لهذا العالم الجهبذ الفذ) ا. هـ من تقدمته للكتاب (٥ - ٦)، ونحوه في "ابن القيم حياته وآثاره" (٢٣).
_________
(^١) نعم قال الحافظ ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (ص: ٣٣٨): (في بعض الأحكام يفتي -أي شيخ الإسلام ابن تيمية- بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الأربعة، وفي بعضها قد يفتي بخلافهم، أو بخلاف المشهور من مذاهبهم) ا. هـ.
1 / 106
٤ - أن المؤلِّف نصَّ في عدَّة مسائل على من سبق شيخ الإسلام في اختياره من الأئمة والعلماء.
٥ - أنه يعدُّ أقدم مرجع وصل إلينا -حسب علمي- في بيان جملة من اختيارات شيخ الإسلام (^١).
٦ - أن الشيخ ابن اللحَّام ضمَّن مسائل هذا الجزء بحروفها -غالبًا- في كتابه الشهير "الاختيارات" (^٢)، وإن كان لم يشر إليه ولا في موضع واحد، كما لم يشر إلى المصدر الأم لكتابه وهو "الفروع" لابن مفلح، وهذا مما كان يتسامح فيه أهل العلم فيما سبق -رحمنا الله وإياهم جميعًا-، ومن ذلك أن البرهان في جزئه هذا قد استفاد -فيما يبدو- دون إشارة من كتاب "العقود الدرية" لابن عبد الهادي، ذلك أن جميع المسائل التي ذكرها ابن عبد الهادي موجودة في كتاب البرهان وبصيغة قريبة جدًّا مما في "العقود الدرية"، والله تعالى أعلم.
الطبعات السابقة للجزء:
طبع هذا الجزء ثلاث طبعات قبل هذه الطبعة -حسب علمي-، وهي:
١ - الأولى: طبعمت سنة (١٣٣٠) في دمشق، بمطبعة "روضة الشام" مع مجموعة رسائل أخرى، وسمي الجزء بـ: (اختيارات
_________
(^١) انظر المسائل التالية: (١٧، ١٩، ٢١، ٢٢، ٢٦، ٢٧، ٢٩، ٣٤، ٣٥، ٣٨ - ٣٩، ٥١، ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٥٧، ٦٤، ٧٠، ٧٢، ٨٤، ٨٧، ٩٥، ٩٨).
(^٢) ما عدا ثلاث مسائل لم أقف عليها فيه، وهي: (٥، ٥٠، ٧٠).
1 / 107
الشيخ الإمام العلامة المجتهد المطلق محيي السنة ومفتي الفرق شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية).
وجاء في آخرها ما نصه: (يقول الحقير محمد جميل الشطي -كاتب محكمة الحقوق- ابن الشيخ عمر أفندي الشطي -مفتي الحنابلة بدمشق-: وجدت هذه الرسالة بخط سيدي العم مراد أفندي -قدس الله روحه-، وفي آخرها يذكر أنه كان نقلها عن نسخة شيخه العلامة الشيخ طاهر أفندي الجزائري عن "المكتبة الظاهرية"، وقد صار طبعها بدمشق في مطبعة "روضة الشام"، أواخر شهر ذي الحجة الحرام، سنة ١٣٣٠، والحمد لله أولًا وآخرًا) ا. هـ.
٢ - الثانية: طبعت سنة (١٤٠٣) في الرياض، توزيع: "مكتبة الرشد"، ونشر هذه الطبعة وقدم لها الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، وقد اعتمد الشيخ على الطبعة السابقة، وأضاف عليها الترقيم المسلسل للمسائل، وسماه: "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري".
٣ - الثالثة: طبعت سنة (١٤١٣) في مصر، عن "دار الصفا"، بشرح وتحقيق الشيخ / أحمد موافي، في (١٥٢ صفحة)، وقد اعتمد على الطبعتين السابقتين، وأسماه: "المسائل الفقهية من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية".
وصف النسخة الخطية:
تم بحمد الله الوقوف على نسخة خطية لهذا الجزء، وهي من
1 / 108
محفوظات "مكتبة برلين الغربية" بألمانيا، وحصلت على صورة منها عن مصورتها المحفوظة بـ "مركز المخطوطات والتراث والوثائق" بالكويت، وهي برقم (٩/ ١٣٣)، ولها مصورة أخرى بـ "جامعة الإمام" بالرياض.
وتقع هذة النسخة في (٧) ورقات، ولا يعرف شيء عن ناسخها ولا عن تاريخ نسخها، ويبدو أنها كانت ضمن مجموع، يعرف ذلك من خلال ترقيم لوحات النسخة، فالرقم المثبت على اللوحة الأولى منها (٦٧)، ورقم آخر لوحة (٧٣).
وأما خطها فجيد، وفيها بعض الأخطاء والسقوطات اليسيرة.
ولهذا الجزء نسخة أخرى هي التي طبع عنها الكتاب قديمًا، ويفترض أن هذه النسخة محفوظة بـ "المكتبة الظاهرية"، ولكن لم يتيسر لي الوقوف على خبر عنها، فالله تعالى أعلم.
توثيق نسبة الجزء:
جاء في صدر النسخة الخطية، ما نصه: (فصل في اختيارات شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية ﵀، جمع الشيخ الإمام العالم العلامة برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية) ا. هـ.
وأما النسخة التي طبع عنها الجزء قديمًا، فجاء في صدرها: (هذه اختيارات مولانا شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى، جمع الشيخ العلامة برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية) ا. هـ.
1 / 109
خطة التحقيق:
١ - إثبات النص من الأصل المخطوط، مع تصويب الأخطاء واستدراك السقط، والإشارة إلى ذلك في الحاشية.
٢ - إثبات الفروق المهمة بين الأصل المخطوط، والمطبوعات، مع الاستفادة منها في تقويم النص.
٣ - توثيق المسائل بعزوها إلى مصادرها من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوعة، أو كتب تلاميذه وغيرهم.
٤ - عزو المسائل إلى الكتب المجموعة في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، لتتميز المسائل المشتركة بين الجزء وغيره، والمسائل التي ينفرد بها.
تنبيهات:
١ - إن كان هناك نص واضح في كتب الشيخ يفيد اختياره للمسألة التي ذكرها البرهان فإنه يكتفي بالإحالة إلى المصدر، وأما إذا كان هناك بعض الاختلاف فتصدر الإحالة بكلمة (انظر).
٢ - يشار إلى المخطوط بكلمة: (الأصل)، ويرمز للمطبوعات بـ (ط) عند الإشارة إليهن جميعًا، وعند إفراد واحدة منهن تُميز بإضافة رقم الطبعة إليها.
٣ - ما كان بين معقوفتين، فهو مما صحيح أو استدرك من الطبعات السابقة، أو من المصادر الأخرى.
1 / 110
نبذة عن المؤلف (^١)
اسمه ونسبه:
هو برهان الدين إبراهيم بن الإمام المشهور شمس الدين محمد (ابن قيم الجوزية) بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل، ثم الدمشقي.
مولده:
ذكر الذهبي أن مولده كان في سنة بضع عشر وسبعمائة (^٢)، وذكر ابن رافع أنه ولد سنة (٧١٦) (^٣)، ولكن ذكر ابن كثير أن عمره عند وفاته (٤٨) سنة، وهذا يقتضي أن ولادته كانت سنة (٧١٨)، والله أعلم.
_________
(^١) مصادر ترجمته: "المعجم المختص" للذهبي (رقم: ٧٤)؛ "البداية والنهاية" لابن كثير (١٤/ ٣٠٧، ٣١٤)؛ "الرد الوافر" لابن ناصر الدين (١٥٠)؛ "تاريخ ابن قاضي شهبة" (مجلد ٣ / ج ٢ من المخطوط / ص: ٢٧٨)؛ "الدرر الكامنة" لابن حجر (١/ ٥٨)؛ "المقصد الأرشد" لابن مفلح (رقم: ٢٢٥)؛ "الدارس" للنعيمي (٢/ ٨٩)؛ "المنهج الأحمد" (رقم: ١٣٥٠)؛ و"الدر المنضد" للعليمي (١٣٦٨)؛ "شذرات الذهب" لابن العماد (٦/ ٢٠٨)؛ "السحب الوابلة" لابن حميد (١/ ٥٠)؛ "تراجم متأخري الحنابلة" لابن حمدان (٣٣)؛ "تسهيل السابلة" لصالح آل عثيمين (٢/ ١١٤٢).
(^٢) "المعجم المختص" (رقم: ٧٤).
(^٣) "الوفيات" (٢/ ٣٠٤).
1 / 111
شيوخه:
قال الذهبي: (تفقه بأبيه) (^١)، وقال أيضًا: (وسمعه أبوه من الحجار) (^٢).
وقال ابن رافع: (حضر على أيوب بن نعمة النابلسي ومنصور بن سليمان البعلبكي "جزء الذهلي"، وسمع من جماعة) (^٣).
وقال ابن حجر: (حضر على أيوب الكحال وغيره وسمع من جماعة كابن الشحنة ومن بعده) (^٤).
ثناء العلماء عليه:
نعته الذهبي في صدر ترجمته بـ: (الفقيه العالم)، وكذا ابن رافع في "الوفيات" (^٥)، وقال الذهبي: (قرأ الفقه والنحو على أبيه، وسمع وقرأ وتنبه) (^٦).
وقال ابن كثير: (كان بارعًا فاضلًا في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى) (^٧).
ونعته ابن ناصر الدين في صدر ترجمته بـ: (الفقيه، العالم،
_________
(^١) "الدرر الكامنة" لابن حجر (١/ ٥٨).
(^٢) "المعجم المختص" (رقم: ٧٤).
(^٣) "الوفيات" لابن رافع (٢/ ٣٠٤).
(^٤) "الدرر الكامنة" (١/ ٥٨).
(^٥) "الوفيات" (٢/ ٣٠٣).
(^٦) "المعجم المختص" (رقم: ٧٤).
(^٧) "البداية والنهاية" (١٤/ ٣١٤).
1 / 112
البارع، النبيه، سليل العلماء والصالحين)، وقال أيضًا: (اجتهد في الطلب، ودأب، وحصَّل، وعلَّق وكتب) (^١).
أعماله:
قال ابن كثير: (كان مدرسًا بالصدرية والتدمرية، وله تصدير بالجامع وخطابة بجامع ابن صلحان) (^٢).
وذكر أيضًا في أحداث سنة (٦٦٥) أنه في مستهل جمادى الأولى ولي تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القلبي، وكانت دارًا لواقفها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري، قال: (وجعل فيها درسًا للحنابلة، وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية) (^٣) ا. هـ.
آثاره:
١ - " إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك". طبع حديثًا (١٤٢٢) عن دار أضواء السلف بالرياض، بتحقيق: الأستاذ / محمد بن عوض السهلي.
_________
(^١) "الرد الوافر" (١٥٠).
(^٢) "البداية والنهاية" (١٤/ ٣١٤)، وفي "تاريخ ابن قاضي شهبة" (المجلد ٣ / ج ٢ من المخطوط / ص: ٢٧٩) و"المقصد الأرشد" (رقم: ٢٢٥): (جامع خليخان).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (١٤/ ١٧٤) تحت حوادث سنة ٧٣٦: (وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه نجم الدين بن خليخان -كذا- تجاه باب كيسان من القبلة وخطب قيه الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية) ا. هـ.
(^٣) "البداية والنهاية" (١٤/ ٣٠٧).
1 / 113
٢ - "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية" هذا.
من نوادره:
قال البرهان ابن مفلح: (قال شيخنا ... تقي الدين ابن قاضي شهبة: وكان -أي المترجم- له أجوبة مسكتة، فقد وقع بينه وبين ابن كثير في بعض المحافل، فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأنِّي أشعري، فقال: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر، ما صدَّقك الناس أنك أشعري وشيخك ابن تيمية!) (^١).
وفاته:
ذكر ابن كثير أن وفاته كانت يوم الجمعة سلخ شهر الله المحرم سنة (٧٦٧)، وأنه توفي في بستانه بالمِزَّة، ونقل إلى عند والده بمقابر باب الصغير، فصلي عليه بعد صلاة العصر، بجامع جراح (^٢)، وحضر جنازته القضاة والأعيان وخلق من التجار والعامة، وكانت جنازته حافلة، وقد بلغ من العمر ثمانيًا وأربعين سنة، وترك مالًا جزيلًا يقارب المائة ألف درهم (^٣)، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
_________
(^١) "المقصد الأرشد" (١/ ٢٣٥ - ٢٣٦)، وانظر: "الدرر الكامنة" (١/ ٥٨).
وعلق الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد على هذا الخبر بقوله: (وصدق البرهان، فما كان ابن كثير أشعريًا، ودليل صدقه مؤلفات ابن كثير، لا سيما كتابه النافع المعطار "تفسير القرآن العظيم" فإنه قرر فيه مذهب السلف أتم تقرير رحمه الله تعالى) ا. هـ.
(^٢) في بعض المصادر: (جراج) بالجيم في أوله وآخره، والله أعلم.
(^٣) "البداية والنهاية" (١٤/ ٣١٤).
1 / 114
وفي الختام أسأل الله ﷿ أن ينفع بهذا العمل، وأن يجزي كل من ساهم في إخراجه خيرًا، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي وللمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
وكتب
سامي بن محمد بن جاد الله
الرياض
٣/ ٨ / ١٤٢٣
ص. ب: ٤٢٢٢٥
الرمز: ١١٥٤١
1 / 115
نموذج من مصورة النسخة الخطية: الورقة الأولى
1 / 116
نموذج من مصورة النسخة الخطية: الورقة الأخيرة
1 / 117
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فصل في اختيارات شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية ﵀
جمع الشيخ الإمام العالم العلامة برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية
قال: لا نعرف له مسألة خرق فيها الإجماع، ومن ادَّعى ذلك فهو إمَّا جاهل، وإمَّا كاذب، ولكن ما نُسِبَ إليه الانفراد به ينقسم [إلى] (^١) أربعة أقسام:
الأول:
ما يُستغرب جدًّا فيُنسب إليه أنَّه خالف الإجماع، لندور القائل به، [وخفائه] (^٢) على كثير من الناس، ولحكاية بعض الناس (^٣) الإجماع على خلافه.
الثاني:
ما هو خارج عن [مذاهب] (^٤) الأئمة الأربعة، لكن قد قاله
_________
(^١) زيادة من (ط).
(^٢) في الأصل: (وإخفائه)، والمثبت من (ط).
(^٣) في (ط): (بعضهم).
(^٤) في الأصل: (مذهب).
1 / 121
بعض الصحابة أو السلف أو التابعين (^١)، والخلاف فيه محكيّ.
الثالث:
ما هو خارج عن مذهب الإمام أحمد ﵁ الذي اشتهر هو -أعني شيخ الإسلام- بالنسبة إليه (^٢)، لكن قد قال به غيره من الأئمة وأتباعهم.
الرابع:
ما أفتى به واختاره مما هو خلاف المشهور في مذهب أحمد، وإن كان محكيًّا عنه وعن بعض أصحابه.
* * *
_________
(^١) في (ط): (التابعين أو السلف)، وهو الأقرب، فلعله حصل في الأصل تقديم وتأخير، والله أعلم.
(^٢) في (ط): (الثالث: ما اشتهرت نسبته إليه مما هو خارج عن مذهب الإمام أحمد ﵁.
1 / 122
فأمَّا القسم الأوَّل:
فمنه في الطلاق:
(١) أن الطلاق إذا أوقعه بلفظ واحد لا يقع به إلا طلقة واحدة، قلَّ عدده أو كثر (^١).
(٢) وأنَّ الطَّلاق في زمن الحيض لا يقع (^٢).
(٣) وأنَّ الطَّلاق في طهر أصابها فيه لا يقع (^٣).
(٤) وأنَّ الرَّجعية لا يلحقها الطَّلاق، وإن كانت في العِدَّة (^٤).
(٥) وأنَّ الطَّلاق في حال الغضب لا يقع، ولو كان غير مزيلٍ للعقل (^٥).
_________
(^١) "الفتاوى" (٣٣/ ٧ - ٩، ٦٧، ٧١، ١٣٠)، "العقود الدرية" (ص: ٣٤٠)، "الاختيارات" للبعلي (٣٦٧).
(^٢) "الفتاوى" (٣٣/ ٦٦، ٧١، ٧٢، ١٣٠)، "العقود الدرية" (ص: ٣٤٠)، وانظر حاشية رقم (٢) من "الاختيارات" للبعلي (٣٦٧).
(^٣) "الفتاوى" (٣٣/ ٦٦، ٧١، ٧٢. ١٣٠)، "العقود الدرية" (ص: ٣٤٠)، "الاختيارات" للبعلي (٣٦٧).
(^٤) "الفتاوى" (٣٣/ ٦٧)، "الاختيارات" للبعلى (٣٦٨).
(^٥) انظر: "الفروع" لابن مفلح (٥/ ٣٦٥).
وفي "الفتاوى" (٣٣/ ١٠٩) أنه سئل عن رجل اختصم مع زوجته خصومة شديدة بحيث تغير عقله، فقال لزوجته أنت طالق ثلاثًا فهل يجب بذلك أم لا؟ فأجاب: (إذا بلغ الأمر إلى أن لا يعقل ما يقول -كالمجنون- لم يقع به شيء، والله أعلم) ا. هـ.
1 / 123
(٦) وأنَّ المطلَّقة آخر ثلاث تطليقات عِدَّتُها حيضةٌ واحدةٌ، [فإنَّه] (^١) علَّق القول به على أن لا يكون الإجماع على خلافه، وقد حكى أبو الحسن (^٢) الفرَّاء القول بذلك عن ابن اللبَّان (^٣).
(٧) وأنَّ المختلعة أيضًا يكفيها الاعتداد بحيضةٍ (^٤).
(٨) وأنَّ الخُلع لا يَنقص به عدد الطَّلاق، ولو وقع بلفظ الطَّلاق (^٥).
(٩) وأنَّ من علَّق الطَّلاق على شرط أو التزمه -لا يقصد بذلك إلا الحضَّ (^٦) أو المنع- يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث (^٧).
(١٠) وأنَّ من حلف بالطَّلاق كاذبًا يعلم كذب نفسه، لا تطلق زوجته، ولا يلزمه كفَّارة يمين (^٨).
ومنه في غير الطَّلاق:
_________
(^١) في الأصل: (فإن)، والمثبت من (ط).
(^٢) كذا بالأصل و(ط)، ولعل الصواب: (الحسين)، كما في "الاختيارات" للبعلي، والله أعلم.
(^٣) "العقود الدرية" (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلى (٤٠٦)، وانظر: "الفتاوى" (٣٢/ ٣٤٢).
(^٤) "الفتاوى" (٣٣/ ١٠)، "العقود الدرية" (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (٤٠٥).
(^٥) "الفتاوى" (٣٢/ ٢٨٩ - ٣١٥، ٣٣/ ١٥٥)، "الاختيارات" للبعلى (٣٦١).
(^٦) في (ط): (الحظر).
(^٧) "الفتاوى" (٣٣/ ٥٨، ٦٩، ٢١٥ - ٢١٨)، "العقود الدرية" (ص: ٣٤٠)، "الاختيارات" للبعلي (٣٧٨)، وفي (ط ٢): (حدث)، وهو تطبيع ..
(^٨) "الفتاوى" (٣٣/ ١٢٩)، "الاختيارات" للبعلي (٣٦٨).
1 / 124
(١١) القول بجواز المسابقة بلا محلِّل، ولو أخرج المتسابقان (^١).
(١٢) وأنَّ من أكل في شهر رمضان معتقدًا أنَّه ليلٌ فبان نهارًا لا قضاء عليه (^٢).
(١٣) وأنَّ تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يُشرع له قضاؤها بل يكثر من التطوُّع (^٣).
(١٤) وجواز عقد الرداء في الإحرام، ولا فدية فيه (^٤).
(١٥) وجواز إقدام الحائض على الطواف عند الضرورة، ولا فدية عليها، وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة من أنَّه يصحُّ منها مع [لزوم الفدية به] (^٥)، ولا تؤمر بالإقدام عليه، وأحمد يقول بذلك في رواية؛ إلا أنَّهما لا [يُقيِّدانه] (^٦) بحال الضرورة (^٧).
(١٦) والقول بجواز بيع العصير بأصله، كالزيتون بالزيت،
_________
(^١) "العقود الدرية" (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (٢٣٣)، "مختصر الفتاوى المصرية" (٥٢٠)، وانظر: "الفتاوى" (٢٨/ ٢٢، ٣٢/ ٢٢٣).
(^٢) "الفتاوى" (٢٥/ ٢١٦، ٢٥٩ - ٢٦٠، ٢٦٤)، "العقود الدرية" (ص: ٣٣٨)، "الاختيارات" للبعلي (١٦١).
(^٣) "الفتاوى" (٢٢/ ١٠، ٤٦، ١٠٣)، "الاختيارات" للبعلي (٥٣).
(^٤) "الفتاوى" (٢١/ ٢٠١، ٢٦/ ١١١)، "الاختيارات" لابن عبد الهادي (١٠٤)، "العقود الدرية" (٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (١٧٤).
(^٥) في الأصل: (مع لزومه الفدية)، والمثبت من (ط).
(^٦) في الأصل: (يفقدانه)، والمثبت من (ط).
(^٧) "الفتاوى" (٢٦/ ١٢٥، ٢١٤)، "الاختيارات" لابن عبد الهادي (١١٥)، "العقود الدرية" (٢٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (٤٥)، وانظر: "الفتاوى" (٢٦/ ٢٢٤).
1 / 125
والسمسم بالشيرج (^١).
(١٧) ووجوب غسل الجمعة على من له عرقٌ أو ريح يتأذَّى به الناس (^٢).
(١٨) وجواز بيع المصوغ (^٣) من الذهب بالذهب، والمصوغ (^٣) من الفضة بالفضة، من غير اشتراطِ تماثلٍ، ويجعل الزائد في مقابلة الصَّنعة (^٤).
(١٩) وجواز بيع أمهات الأولاد، وهو مذهب عليٍّ، وحُكي رواية عن أحمد (^٥).
(٢٠) وأنَّ شرط الواقف لا يعتبر إلا أن يكون قُربةً في نظرِ الشارعِ، وذكر روايةً عن الإمام أحمد أخذًا من قوله باعتبار القُربة في أصل الجهة الموقوف عليها (^٦).
(٢١) وأنَّه يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف (^٧) ذلك باختلاف الزمان، حتَّى لو وقف على الفقهاء
_________
(^١) "العقود الدرية" (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (١٨٨).
(^٢) "الاختيارات" للبعلي (٣٠)، وانظر: "الفتاوى" (٢١/ ٣٠٧ - ٣٠٨).
(^٣) في (ط): (المصنوع).
(^٤) "العقود الدرية" (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبعلي (١٨٨)، وانظر: "الفروع" لابن مفلح (٤/ ١٤٩) و"تصحيحه" و"الإنصاف" للمرداوي (١٢/ ١٩).
(^٥) "الاختيارات" للبعلي (٢٨٩).
(^٦) "الاختيارات" للبعلي (٢٥٤)، وانظر: "الفتاوى" (٣١/ ١٣، ٤٧، ٥٧ - ٦٤).
(^٧) في (ط): (ويختلف).
1 / 126