اختلاف الفقهاء لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري بسم الله الرحمن الرحيم = كتاب المدبر
صفحه ۲۳
أجمعت الحجة التي لا يجوز خلافها أن من دبر عبده ثم لم يحدث لتدبيره ذلك نقضا ما بإزالة ملكه عن مدبره ذلك إلى غيره ببعض المعاني التي تزول بها الأملاك ولم يرجع في تدبيره بقول يكون ذلك رجوعا عند من نوى الرجوع فيه على ما سنصفه عند انتهائنا إليه في كتابنا هذا وكان المدبر مأمورا منهيا جائز الأمر في ماله يوم دبر ثم مات السيد المدبر ويحتمله ثلث تركته ولم يكن لأحد عليه يوم مات دين يعجز ثلث ماله بعد قضاء دينه عن جميع قيمة مدبره ولا وصية له في ماله يقصر ثلث تركته بعد قضاء دينه وإنفاذ وصاياه الجائزة عن جميع قيمة مدبره إن عبده ذلك الذي دبره في حياته حر بعد وفاته إذا كان الأمر على ما وصفت $ ثم اختلفوا في صفة القول الذي إذا وجد من القائل لعبده حكم للمقول له ذلك من عبيده بأنه مدبر
فقال مالك كل عتاقة أعتقها رجل بعد موته في صحة أو مرض فهي وصية يردها الرجل إن شاء ويغيرها متى شاء ما لم يدبر فإذا دبر فلا سبيل له إلى رد ما دبر قال ويفرق بين الوصية والتدبير أن يقول له اعتقه عن دبر فإن لم يذكر التدبير في العتق فهي وصية حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه
صفحه ۲۴
وقال الشافعي الذي لا أعلم بين الناس اختلافا فيه أن تدبير العبد أن يقول له سيده صحيحا أو مريضا أنت مدبر وكذلك إن قال له أنت مدبر أو قال أردت عتقه بكل حال بعد موتي أو أنت عتيق أو أنت محرر أو أنت حر إذا مت أو متى مت أو بعد موتي أو ما أشبه هذا من الكلام فهذا كله تدبير قال وسواء عندي قال أنت حر بعد موتي أو متى مت إن لم أحدث فيك حدثا أو ترك استثناء في أن يحدث فيه حدثا لأن له أن يحدث فيه نقض التدبير حدثنا بذلك عنه الربيع
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال الرجل لمملوكه أنت حر بعد موتي أو أنت حر إذا مت أو أنت حر متى مت أو أنت حر متى ما مت أو أنت حر إن حدث بي حدث فهذا كله باب واحد وهو مدبر
وقالوا إذا قال الرجل لعبده أنت مدبر أو قال لأمته أنت مدبرة فانهما جميعا مدبران وقالوا أرأيت لو كان أعجميا لا يفصح بالتدبير فقال هذه المقالة أما كان يكون مدبرا وقالوا إن قال قد دبرتك فهو مدبر قالوا وقوله قد دبرتك أو أعتقتك عن دبر سواء وكذلك إذا قال أنت حر يوم أموت فإن نوى النهار دون الليل فإنه ليس بمدبر الجوزجاني عن محمد
وعلة من قال بقول مالك إن القائل لمملوكه قد اعتقتك عن دبر مني مجمع عليه أنه قد دبر عبده ومختلف فيما خالف ذلك من القول هل هو تدبير أم لا والتدبير اسم لمعنى والأسماء لا تثبت على الصحة للمسمى بها إلا بحجة يجب التسليم لها من كتاب أو سنة أو أجماع
صفحه ۲۵
وعلة من قال بقول الشافعي في ذلك إن التدبير إنما هو عتق الرجل عبده بعد إدباره وهلاكه وكذلك قول القائل لعبده أنت حر عن دبر مني أو قد أعتقتك عن دبر مني إنما يعني بذلك أنت حر بعد موتي أو أنت حر إذا مت وأدبرت فكل ما كان من عتق يقع على عبده مع إدباره وهلاكه بإيقاعه إياه عليه حينئذ بقول كان منه في حياته فهو تدبير
قال أبو جعفر والحق في ذلك عندي وبالله التوفيق إن قول القائل لعبده قد اعتقتك عن دبر مني وأنت حر بعد موتي وأنت حر إذا مت بمعنى واحد لأن ذلك كله إنما هو إيجاب عتق للعبد بعد خروج نفس السيد بلا فصل بل قول القائل أنت حر إذا مت أوضح وأبين في إيجاب العتق للمملوك في تلك الحال من قوله قد اعتقتك عن دبر وإذا كانت الأشياء متفقة المعاني من جهة ما وجب بما وجب لبعضها من الحكم لم يجز التفريق بين أحكامها فيما اتفقت فيه إلا بحجة يجب التسليم لها وكذلك الحكم في ذلك إن قال أنت حر إن حدث بي حدث الموت أو أنت مدبر فإن قال أنت حر يوم أموت فإن قال أردت بعد موتي فهو تدبير وإن قال أردت بذلك أنت حر إن مت نهارا أو إن مت ليلا فليس ذلك تدبيرا وإنما هو عتق على صفة لأن التدبير هو ما وصفناه من عتق الرجل عبده عند إدباره وهلاكه على أي حال وفي أي وقت كان إدباره فأما إذا كان عتقا عند إدباره بصفة دون صفة وفي حال دون حال فذلك عتق بشرط إن وجد وقع وإن لم يوجد لم يقع ولا يستحق العبد المعتق على ذلك ان معه يقال له مدبر إذ الإسم المطلق بالتدبير على كل معاني إدبار المدبر لا على معنى دون معنى وإذا كان على
صفحه ۲۶
بعض دون بعض لم يجز أن يطلق ذلك الإسم له $ واختلفوا في قول القائل لمملوكه أنت حر
بعد موتي أو ساعة أو شهر أو سنة أو ما أشبه ذلك من القول الذي لا يستوجب به العبد الحرية بعد موت السيد بلا فصل ولا يستوجبها إلا بعد وفاته بمدة وهل يكون ذلك القول تدبيرا أم لا
فقال مالك ذلك وصية وللسيد أن يغير وصيته إن شاء ويردها متى شاء وليس بتدبير حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه
وهو قول الأوزاعي حدثني بذلك العباس عن أبيه عنه
وقال الشافعي إذا قال السيد لعبده أنت حر بعد موتي بعشر سنين فهو حر في ذلك الوقت من الثلث وإن كانت أمة فولدها بمنزلتها يعتقون إذا عتقت وهذه أقوى عتقا من المدبرة لأن هذه لا يرجع فيها إذا مات سيدها وما كان سيدها حيا فهي بمنزلة المدبرة حدثنا بذلك عنه الربيع
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال الرجل لعبده أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر أو بأكثر من ذلك فإن هذا لا يكون مدبرا وللمولى أن يبيعه فإن لم يبعه حتى مات المولى فإنه يعتق من ثلثه بعدما يمضي الوقت بعد موته ولا يعتق حتى تعتقه الورثة الجوزجاني عن محمد
وعلة من قال ليس هذا القول من القائل تدبيرا أن التدبير ما وصفناه
صفحه ۲۷
قبل من ألا يكون المدبر مدبرا هالكا إلا والمدبر معتق بعد هلاكه بلا فصل فأما إذا لم يكن كذلك فليس ذلك تدبيرا لأن ذلك اسم لمعنى ومتى كان بخلاف ذلك لم يلزمه ذلك الإسم
وعلة من قال هو تدبير أن التدبير عتق عبد بعد وفاة المعتق فأي عتق كان بتلك الصفة فهو تدبير
قال أبو جعفر والحق في ذلك عندي وبالله التوفيق إن هذا القول من قائله لا يستحق اسم تدبير لما وصفت من العلل لقائل ذلك $ ثم اختلفوا في حكم العبد يعتق إلى أجل
أو على شرط أو صفة فيموت السيد قبل مجيء الأجل ووجود الشرط
فقال مالك من قال غلامي حر إلى رأس السنة إن مات السيد قبل ذلك كان العبد حرا عند السنة من رأس المال حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه وقال في الرجل يقول لغلامه إذا مات فلان فأنت حر ولا يحبسه عليه ثم يموت سيد العبد قال يخدم العبد الورثة فإن مات الرجل الذي سمى عتق العبد في غير الثلث وإنما مثل ذلك مثل رجل قال لعبده أنت حر بعد عشر سنين وقال في الرجل يقول لغلامه إذا مات فلان فأنت حر فإنه يأخذ من ماله شيئا وإنه لا يدخل في ثلث سيده إن مات وقال في رجل قال لجاريته إن لم أضربك عشرة أسواط في ذنب
صفحه ۲۸
جئت به فأنت حرة فأراد بيعها ولا يضربها قال لا أراه يجوز له بيعها ولا هبتها حتى يضربها وإن باعها فسخ البيع وردت إليه على تلك المنزلة ولا يضرب له أجل إن لم يضربها إليه عتقت فإن مات عتقت في ثلثه ولم تكن في رأس ماله وإن ماتت هي فلا عتاقة لها إنما ماتت وهي أمة وقال في الذي يحلف بالعتق إن لم يفعل كذا فيموت قبل أن يفعل قال يعتق ذلك الذي حلف بعتاقته في ثلث ماله قال وسمعت مالكا يقول في الرجل يقول إن لم يفعل كذا فإن وليدته حرة قال لا يطأها ولا يبيعها حتى يفعل الذي حلف عليه فإن ابن عمر قال لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء وإن الذي يجعل جاريته حرة إن لم يفعل كذا لا يقدر على بيعها حتى يفعل الذي حلف عليه فإن هلك ولم يفعل الذي حلف عليه خرجت الجارية حرة من الثلث قال وقال لي مالك وإن قال وليدته حرة إن لم يفعل كذا إلى أجل سماه فإنه لا يبيعها أيضا حتى يفعل ما حلف عليه ولكنه يطأها إن شاء ما بينه وبين الأجل الذي سمى ثم يوقف عنها عند ذلك الأجل إن لم يفعل الذي حلف عليه فإن مات قبل أن ينقضي الأجل فلم يحنث لأنه شرط شرطا لا يؤخذ به حتى يأتي الأجل وهو حي فإذا جاء الأجل ولم يفعل الذي حلف عليه عتق الذي حلف بعتاقته
وقال الشافعي إذا قال السيد لعبده أنت حر إذا مضت سنة أو سنتان أو قال شهر كذا أو سنة كذا أو سنة كذا أو يوم كذا فجاء ذلك الوقت وهو
صفحه ۲۹
في ملكه فهو حر وله أن يرجع في ذلك كله بأن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة أو غيره كما يرجع في غيره وإن لم يرجع فيه أو كان قال هذا لأمة فالقول فيه قولان أحدهما أن كل شيء كائن لا يخلف بحال فهو كالتدبير وولدها فيه كولد المدبرة وحالها حال المدبرة في كل شيء إلا أنها تعتق من رأس المال وهذا قول يحتمل القياس وبه أقول والقول الثاني أنها تخالف المدبرة ولا يكون ولدها بمنزلتها وتعتق هي دون ولدها الذين ولدوا بعد هذا القول قال ولو قال لعبده في صحته أو لأمته متى قدم فلان فأنت حر أو متى برأ فلان فأنت حر فله الرجوع بأن يبيعه قبل أن يقدم فلان أو يبرأ فلان وإن قدم فلان أو برأ فلان قبل أن يرجع عتق عليه من رأس ماله إذا قدم فلان أو كان الذي أوقع العتق عليه به والقائل مالك حي مريضا كان أو صحيحا لأنه لم يحدث في المرض شيئا قال ولا أعلم بين ولد الأمة يقال لها إذا قدم فلان فأنت حرة وولد المدبرة والمعتقة إلى سنة فرقا بينا بل القياس أن يكونوا في حال واحدة قال ولو
صفحه ۳۰
قال إذا قدم فلان فأنت حر متى مت وإذا جاءت السنة فأنت حر متى مت فمات كان مدبرا في ذلك الوقت ولو قال أنت حر إن مت في مرضي هذا أو في سفري هذا أو عامي هذا فليس هذا بتدبير وإذا صح ثم مات من غير مرضه لم يكن حرا والتدبير ما أثبت السيد التدبير فيه للمدبر وإذا قال الرجل لعبده إن شئت فأنت حر متى مت فشاء فهو مدبر وإن لم يشأ لم يكن مدبرا وإن قال إذا مت فشئت فأنت حر فإن شاء إذا مات فهو حر وإن لم يشأ لم يكن حرا وكذلك إذا قال أنت حر إذا مت إن شئت وكذلك إن قدم الحرية قبل المشيئة أو أخرها ولو قال إن شاء فلان وفلان فغلامي حر عتقا بتاتا أو حر بعد موتي فإن شاءا كان حرا وكان المدبر مدبرا وإن شاء أحدهما ولم يشأ الآخر أو مات الآخر أو غاب لم يكن حرا حتى يجتمعا فيشاءا معا بالقول حدثنا بذلك عنه الربيع
صفحه ۳۱
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال الرجل لعبده إن حدث بي حدث في سفري هذا أو مرضي هذا فأنت حر فإن هذا لا يكون مدبرا فإن مات في ذلك الوجه أو من ذلك المرض عتق العبد من ثلثه وإن مات بعد رجوعه من ذلك السفر ومن بعد البرء من ذلك المرض فإن العبد لا يعتق وله أن يبيعه قبل أن يبرأ وقبل أن يقدم من سفره إن شاء الله وكذلك لو قال إن قتلت فأنت حر وكذلك لو قال إن مت بموضع كذا فأنت حر لا يكون مدبرا كل شيء وصفه من الموت لا يعلم أنه يموت به فإنه لا يكون مدبرا ألا ترى أن مولاه لو مات قبل الرحيل كان العبد للورثة ويقسم فكيف يكون مدبرا وسهام الورثة تجري فيه وإذا قال له أنت حر بعد موت فلان وموتي أو بعد موتي وموت فلان فهو سواء ولا يكون مدبرا وله أن يبيعه إن شاء فإن مات المولى قبل فلان كان للورثة أن يبيعوه وإن مات فلان قبل المولى كان مدبرا ليس لمولاه أن يبيعه ألا ترى أنه لو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتي فكلم فلانا كان مدبرا وكذلك إذا قال له إذا كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي فكلمه فكلمه فإنه يكون مدبرا
وإذا قال لعبده أنت حر بعد موتي إن شئت فإن هذا لا يكون مدبرا فإن كان المولى ينوي بالمشيئة إن شئت الساعة فشاء العبد ذلك ساعتئذ فهو حر وإن كان ينوي بالمشيئة بعد الموت فليس للعبد مشيئة حتى يموت المولى فإن مات المولى فشاء عند موته فهو حر من ثلثه قالوا
وإذا قال الرجل كل مملوك لي حر بعد موتي فما كان في ملكه يوم قال هذه المقالة فهو مدبر وما ملك بعد هذه المقالة من مملوك فإنه لا يكون مدبرا
صفحه ۳۲
وله أن يبيعه ولكن إن مات وهو في ملكه عتق من ثلثه مع المدبرين وكذلك إذا قال كل مملوك لي إذا أنا مت فهو حر مثل ذلك أيضا فإن كان مملوك بينه وبين آخر في ملكه يوم قال هذه المقالة فإنه لا يعتق من قبل أنه ليس له بمملوك تام
وقالوا إذا قال الرجل لعبدين له أنتما حران بعد موتي إن دخلتما هذه الدار فدخل أحدهما ومات الآخر فإنه لا يكون مدبرا من قبل إنهما لم يدخلا جميعا وكذلك لو قال إن شئتما فأنتما مدبران فمات أحدهما قبل أن يشاء فإن الثاني لا يكون مدبرا وقالوا إذا جعل الرجل أمر عبده إلى صبي فقال دبره فدبره فهو جائز وإن قام من ذلك المجلس قبل أن يدبره فليس له أن يدبره بعد ذلك وكذلك لو جعل أمره إلى رجل مجنون مغلوب أو إلى صحيح فهو سواء وإن جعل أمره إلى رجلين فدبر أحدهما ولم يدبر الآخر فإنه لا يجوز وقالوا إذا قال الرجل لرجلين دبرا عبدي فدبره أحدهما فإنه جائز من قبل انهما هاهنا رسولان له أن ينهاهما وهما في الباب الأول أمره إليهما ليس له أن ينهاهما الجوزجاني عن محمد
وعلة من قال يقول مالك إن المعتق عبده إلى أجل إذا مات قبل الأجل إن العبد يعتق عند الآجل من رأس المال إن ذلك عتق في الصحة لا وصية وإنما يعتق من الثلث ما كان وصية أو في معنى الوصية من عتق في مرض ومولى العبد المعتق إلى أجل إنما أعتق في صحته فمتى جاء الأجل وهو في ملكه كان حرا من رأس ماله وعلته في منع الحالف بعتق عبده إن لم يفعل كذا من بيعه قبل فعله ما حلف عليه ووطئه الجارية المحلوف عليها بذلك
صفحه ۳۳
حتى يبر في يمينه إن الحجة مجمعة على عتق العبد المحلوف عليه فهذه اليمين إن مات السيد الحالف وقد فرط في فعل ما حلف عليه مع قدرته على فعله تطاولت مدة حياته بعد اليمين مع إمكان الفعل أو قصرت فلما كان العبد محبوسا على عتقه بموت السيد أو ثبوت رقه ببر السيد في يمينه لم يكن للمولى بيعه ولا وطؤ الجارية إن كان المحلوف عليه جارية حتى تعلم صحة أمره من الرق أو العتق
وعلة من قال إن مات المعتق عبده إلى أجل قبل الأجل إن عتقه باطل إن الجميع مجمعون على أن رجلا لو قال لعبده إذا قدم فلان فأنت حر ثم مات قائل ذلك والعبد المقول له ذلك في ملكه ثم قدم فلان ذلك أن العبد لا يعتق لأن ملك السيد قد زال عن عبده بموته وكان ملكا لغيره من الورثة فلا يعتق عبد غيره بقوله الذي كان منه في حال ملكه لأنه لم يدبره ولم يوص بعتقه فكذلك المعتق إلى أجل إذا مات قبل مجيء الأجل والعبد في ملكه
وأما علتهم في سائر المسائل غيرها على إختلافهم فيها فشبيهة بعللنا لهم في المسائل قبلها فيما يكون به العبد من القول مدبرا وما يكون وصية من الثلث ولا خلاف بين الجميع أن رجلا لو قال لعبده أنت حر غدا أو بعد موتي أنه لا يقع العتق إلا في الوقت الذي أوقعه السيد $ ثم اختلفوا في عتق المدبر إذا مات سيده قبل رجوعه عن تدبيره أمن جميع ما له عتقه أم من الثلث
فقال مالك فيما حدثني يونس عن أشهب وابن وهب عنه والأوزاعي فيما حدثني به العباس عن أبيه عنه والثوري
صفحه ۳۴
فيما حدثني به علي عن زيد عنه والشافعي فيما حدثنا به الربيع عنه
وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور إذا مات سيد المدبر عتق المدبر من ثلث ماله
وقال مسروق بن الأجدع يعتق من جميع المال حدثنا بذلك أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا عبد الله بن إدريس قال أخبرنا ابن أبجر عن الشعبي أن مسروقا كان يجعل المدبر يخرج فارغا من جميع المال وحدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن ابن أبجر عن الشعبي مثله وهو قول الشعبي
علة من قال بقول مالك في ذلك إجماع الحجة على ما قال
علة من قال بقول مسروق فيه القياس على ما أجمعت الحجة عليه من حكم أم الولد أنها مملوكة لسيدها لا تباع ولا توهب ويستمتع بها سيدها فإذا مات السيد عتقت من رأس ماله وهي معتقة عن دبر فكذلك حكم كل معتقة عن دبر فمن رأس المال
قال أبو جعفر والحق في ذلك عندي ما قال مالك ومن ذكرنا قوله انه من الثلث لإجماع الحجة على ذلك $ ثم اختلفوا في السيد هل له أن يرجع عن تدبيره ببيع أو قول أو غير ذلك من وجوه الرجوع
فقال مالك الأمر عندنا في المدبران صاحبه لا يبيعه ولا يحوله
صفحه ۳۵
عن موضعه الذي وضعه عليه وأنه إن رهق سيده دين فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه ما عاش سيده فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه لأنه استثنى عمله ما عاش فليس له أن يخدمه حياته ثم يعتقه على وارثه إذا مات من رأس ماله ولكنه يكون في الثلث ويكون الثلثان للورثة وإن مات سيد المدبر ولا مال له غيره عتق ثلثه وكان ثلثاه للورثة وإن مات سيد المدبر وعليه دين يحيط بالمدبر بيع في دينه لأنه إنما يعتق في الثلث وإن كان يحيط بنصف المدبر بيع نصفه ثم عتق ثلث ما بقي منه بعد الدين قال وهذه سنة المدبر التي لا خلاف فيها ببلدنا حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه وقال مالك لا أرى أن يباع المدبر فإن هو بيع بجهالة وعتق وطال زمانه وتفاوت ذلك فأرى أن ينفذ عتقه ويكون الولاء للذي اشتراه واعتقه
وقال الأوزاعي لا يجوز بيع المدبر حدثني بذلك العباس عن أبيه عنه
وقال الثوري إذا باع الرجل المدبرة من رجل فإن البيع مردود قال ولا يجوز بيع المدبر والمدبرة حدثني بذلك علي عن زيد عنه
وقال الشافعي المدبر ومن لم يدبر من العبيد سواء يجوز بيعهم متى شاء مالكهم وفي كل حق لزم مالكهم يجوز بيعهم متى شاء وفي كل ما يباع
صفحه ۳۶
فيه مال سيدهم إذا لم يوجد له وفاء إلا بيعهم وقال إذا دبر الرجل عبده فله الرجوع في تدبيره بأن يخرجه من ملكه قال ولو لزم سيده دين بدئ بعتق المدبر من ماله فبيع عليه ولا يباع المدبر حتى لا يوجد له قضاء إلا ببيعه أو بقول السيد قد أبطلت تدبيره وهو على التدبير حتى يرجع فيه أو لا يوجد له مال يؤدى منه دينه غيره قال ولو لم يلزم سيده دين كان له ابطال تدبيره فإن قال سيده قد رجعت في تدبير هذا العبد أو ابطلته أو نقضته أو ما أشبه ذلك مما يكون مثله رجوعا في وصيته لرجل أو أوصى له به لم يكن ذلك نقضا للتدبير حتى يخرجه من ملكه ذلك وهو مخالف الوصية في هذا ويجامع الإيمان وكذلك لو دبره ثم وهبه لرجل هبة بتات قبضه أو لم يقبضه أو رجع في الهبة أو تم عليها أو أوصي به لرجل أو تصدق به عليه أو وقفه عليه في حياته أو بعد موته أو قال إن أدى بعد موتي كذا وكذا فهو حر فهذا كله رجوع في التدبير ناقض له قال
صفحه ۳۷
ولو دبره ثم أوصي بنصفه لرجل كان النصف للموصى له به وكان النصف مدبرا
فإن رد صاحب الوصية الوصية ومات السيد المدبر لم يعتق من العبد إلا النصف لأن السيد قد أبطل التدبير في النصف الذي أوصى به فكذلك لو باع نصفه وهو حي أو وهب نصفه وهو حي كان قد أبطل التدبير في النصف الذي باع ووهب والنصف الثاني مدبر ما لم يرجع فيه وإذا كان له أن يدبر على الابتداء نصف عبده كان له أن يبع نصفه ويقر النصف مدبرا بحاله وكذلك إن دبره ثم قال قد رجعت في تدبير ثلثك أو ربعك أو نصفك فأبطلته كان ما رجع فيه منه خارجا من التدبير وما لم يرجع فيه فهو على تدبيره بحاله
قال ولو دبر رجل عبده ثم قال اخدم فلانا لرجل آخر ثلاث سنين وأنت حر فإن غاب المدبر القائل هذا أو خرس أو ذهب عقله قبل
صفحه ۳۸
أن يسأل لم يعتق العبد أبدا إلا بأن يموت السيد المدبر وهو يخرج من الثلث ويخدم فلانا ثلاث سنين فإن مات فلان قبل موت السيد أو بعده ولم يخدمه ثلاث سنين لم يعتق أبدا لأنه اعتقه بشرطين فبطل أحدهما وإن سئل السيد فقال أردت إبطال التدبير وإن يخدم فلانا ثلاث سنين ثم هو حر فالتدبير باطل وإن خدم فلانا ثلاث سنين فهو حر وإن مات فلان قبل أن يخدمه أو لم يخدمه العبد لم يعتق ولو أراد السيد الرجوع في الإخدام رجع فيه ولم يكن العبد حرا وإن قال أردت أن يكون مدبرا وأن يخدم فلانا ثلاث سنين والتدبير بحاله لم يعتق إلا بهما معا كما قلنا في المسألة الأولى قال ولو أن رجلا دبر عبدا ثم قال قبل موته إن أدى مائة بعد موتي فهو حر أو عليه خدمة عشر سنين بعد موتي ثم هو حر أو قال هو حر بعدي بسنة فإن أدى مائة أو خدم عشر سنين بعد موته أو أتت عليه بعد موته سنة فهو حر وإلا لم يعتق وكان هذا كله وصية أحدثها له وعليه بعد التدبير شيء أولى من التدبير كما يكون لو قال عبدي هذا لفلان ثم قال بل نصفه لم يكن له إلا نصفه حدثنا بذلك عنه الربيع
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا أعتق الرجل مملوكا له عن دبر منه
صفحه ۳۹
فليس له أن يبيعه ولا يرهنه وله أن يؤاجره ويستعمله وله أن يزوجه وإن كانت أمة زوجها إن شاء ومهرها له قالوا ولا يباع المدبر في دين على مولاه ولكن يسعى فإن كان هذا الدين أقل من قيمته سعى في الدين وفي ثلثي ما بقي من قيمته للورثة ولا تجوز شهادة المدبر ما دام يسعى في شيء من قيمته وهو بمنزلة العبد في جنايته والجناية عليه في قول أبي حنيفة وإن كانت أمة قد ولدت ولدا ثم ماتت الأمة فعلى ولدها أن يسعى فيما على أمه وحال الولد مثل حال العبد في شهادته وجنايته والجناية عليه الجوزجاني عن محمد وقال السيد المدبر له بيع مدبره وإبطال تدبيره
وعلة من قال لا يجوز الرجوع في التدبير القياس على إجماع الحجة في أم الولد أنها لذلك أنها مملوكه لسيدها أوجبت ولادتها من سيدها لها عتقا بعد وفاة السيد بلا فصل وأنها لذلك من العلة لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا إخراجها من ملكه إلا بعتق وأن للسيد الاستمتاع بها وإجارتها فيما تجوز إجارتها فيه فكذلك المدبر والمدبرة أوجب لهما سيدهما بقول أن منه عتقا بعد وفاته بلا فصل فليس له منهما إلا ما لسيد أم الولد منها وهو ممنوع من إحداث ما هو ممنوع من إحداثه في أم ولده إلى أن يموت فتعتق
علة من قال لسيد المدبر الرجوع في تدبيره وبيعه وهبته واحداث كل ما له أن يحدثه في مماليكه الذين لم يدبرهم قيام الحجة على أن المدبر من الثلث وتفريق الأمة بين حكمه وحكم أم الولد في أن المدبر إنما يعتق من الثلث وأن أم الولد إنما تعتق من جميع المال وإجماع الجميع أن ما عتق من الثلث بكل حال لا في حال دون حال سبيله وحكمه سبيل الوصايا وحكمها وإن ما عتق من جميع المال فسبيله سبيل الديون والحقوق اللازمة التي هي مخالفة معاني الوصايا فلما صح افتراق حكم المدبر والمدبرة وحكم ام
صفحه ۴۰
الولد في أن المدبر من الثلث وأن أم الولد من جميع المال ثبت أن حكم التدبير حكم الوصايا التي لصاحبها الرجوع فيها أيام حياته وتغييرها وتبديلها عما سبلها عليه وأن حكم عتق أم الولد حكم الحقوق اللازمة التي لا يقدر من لزمته على تبديلها وتغييرها إلا بالخروج منها ثم حدثني به سليمان بن عمر بن خلد بن الأقطع الرقي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر قال أعتق رجل من الأنصار يقال له أبو مذكور غلاما له يقال له يعقوب من دبر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل له مال غيره فقالوا لا فقال من يشتريه فباعه بثماني مائة درهم من نعيم بن النحام ثم قال أنفق هذا على نفسك فأن فضل فعلى أهلك فإن فضل فعلى عيالك فإن فضل فها هنا وها هنا
وعلة من يقول بقول مالك في أنه يباع في دين الميت إذا لم يوجد له وفاء غيره انه لما قامت الحجة على انه من الثلث وخالف في هذا المعنى دون سائر المعاني أم الولد جاز بيعه في الدين إذا كان ذلك من معاني الوصايا والدين مبدأ به على الوصايا
قال أبو جعفر والحق في ذلك عندي وبالله التوفيق أن التدبير في معنى الوصية فكل ما كان رجوعا في الوصية فهو رجوع فيه وكل ما جاز في الوصية فجائز فيه $ واختلفوا في بيع خدمة المدبر من نفسه أو من غيره
صفحه ۴۱
فقال مالك لا يجوز بيع المدبر ولا يجوز لأحد أن يشتريه إلا أن يشتري المدبر نفسه من سيده فيكون ذلك جائزا له أو يعطي أحد سيد المدبر مالا ويعتقه سيده الذي دبره فذلك جائز أيضا حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه وقال لا يجوز بيع خدمة المدبر لأنه غرر لا يدري كم يعيش سيده الذي دبره فذلك غرر لا يصلح وهي من المخاطرة فإن طالت حياته غبن البائع وإن قصرت حياته غبن المبتاع حتى يكون خدمة معروفة إلى أجل مسمى
وقال في مدبر قال لسيده عجل لي العتق وأعطيك خمسين دينارا فقال سيده نعم أنت حر وعليك خمسون دينارا تؤدي إلى كل عام عشرة دنانير فرضي العبد بذلك ثم هلك السيد بعد ذلك بيومين أو ثلاثة قال مالك قد ثبت العتق وصارت الخمسون دينا
صفحه ۴۲