فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَكْتُمُونَ إِيمَانَهُمْ فِي قَوْمِهِمْ وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِظْهَارِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ النَّجَّاشِيُّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّهُ كَانَ مَلِكَ نَصَارَى الْحَبَشَةِ وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مُؤْمِنًا وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ ﷿ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ١٩٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ١١٣] فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُتَمَسُّكَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ ﷺ قَطْعًا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْكُفْرِ وَأَوْجَبَ لَهُمُ النَّارَ فَلَا يُثْنَى عَلَيْهِمْ بِهَذَا الثَّنَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَايَنَ قَوْمَهُ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ الِاعْتِبَارُ قَدْ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَاسْتَحْدَثُوا اسْمَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَنْ هُوَ بَاقٍ عَلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ هَذَا " هُوَ " الْمَعْرُوفُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ. . .﴾ [آل عمران: ٧٠] الْآيَةَ. ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. .﴾ [آل عمران: ٦٤]
2 / 77