فَوْقَ بَعْضٍ، وَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: (يَغْشَاهُ) رَاجِعٌ إِلَى الْبَحْرِ، وَالضَّمِيرُ الثَّانِي: فِي قَوْلِهِ: (مِنْ فَوْقِهِ) عَائِدٌ إِلَى الْمَوْجِ، ثُمَّ إِنْ تِلْكَ الْأَمْوَاجَ مُغْشَاةٌ بِسَحَابٍ، فَهَاهُنَا ظُلُمَاتٌ: ظُلْمَةُ الْبَحْرِ اللُّجِّيِّ، وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ الَّذِي فَوْقَهُ، وَظُلْمَةُ السَّحَابِ: الَّذِي فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا أَخْرَجَ - مَنْ فِي هَذَا الْبَحْرِ - يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا.
[مَطْلَبٌ فِي بَحْثِ كَادَ]
" مَطْلَبٌ فِي بَحْثِ كَادَ " وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ النُّحَاةِ: هُوَ نَفْيٌ لِمُقَارَبَةِ رُؤْيَتِهَا وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُنْفَى وُقُوعُ الشَّيْءِ وَلَا تُنْفَى مُقَارَبَتُهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُقَارِبْ رُؤْيَتَهَا بِوَجْهٍ.
قَالَ هَؤُلَاءِ: وَكَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ لَهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَفْعَالِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَإِذَا قِيلَ: كَادَ يَفْعَلُ، فَهُوَ إِثْبَاتٌ لِمُقَارَبَةِ الْفِعْلِ، فَإِذَا قِيلَ: لَمْ يَكَدْ يَفْعَلُ فَهُوَ نَفْيٌ لِمُقَارَبَةِ الْفِعْلِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، بَلْ هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَرَاهَا بَعْدَ جُهْدٍ شَدِيدٍ وَفِي ذَلِكَ إِثْبَاتُ رُؤْيَتِهَا بَعْدَ أَعْظَمِ الْعُسْرِ ; لِأَجْلِ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، قَالُوا: لِأَنَّ كَادَ لَهَا شَأْنٌ لَيْسَ لِغَيْرِهَا مِنَ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا إِذَا
2 / 59