وإن ممن أكرمه الله بهذه الكرامات، وجمع فيه هذه المزايا ومنحه هذه المقامات، وظهرت عليه أنوار التوفيق وعلامات السعادة، وأشرقت في أسرته بوارق الفضل ولوائح السيادة، وبذل علي همته في اكتساب الفضائل، وصرف نقد عمره في اجتناء المحامد واجتناب الرذائل: الأديب اللوذعي الكامل، والهمام الألمعي الفاضل، أخي في الله الشيخ علي ابن الشيخ مصطفى، المعروف بابن الدباغ، الحلبي الشافعي سلمه الله.
فإنه هاجر من حلب إلى دمشق، وكانت هجرته إلى الله ورسوله، وجعل بها الاشتغال بالعلوم ديدنه، إذ كانت جل مطلوبه ومأموله، وقطنها برهة من الزمان، قرين تحصيل، وزميل تفريع وتأصيل، مع ما اتصف به من براعة ساد بها وزاد حساده غما، ويراعة فاق بها أقرانه نثرا ونظما:
هذا وليل الشباب الجون منسدل ... فكيف حين يجيء الليل بالسرج
وقلت متمثلا:
أعيذه فاضلا بالله ما سمعت ... بمثله أذني ولا رأت عيني
صحيح لفظ وخط قال حاسده ... كأنه الجمع ما بين الصحيحين
فنظر إلي بعين الرضا، وعين الرضا عن كل عيب كليلة، وراج على نقده مزجى بضاعتي القليلة، والتمس مني أن أجيزه بمروياتي، وأبيح له رواية مقروءاتي ومسموعاتي.
فقدمت في ذلك رجلا وأخرت أخرى، ثم رأيت امتثال أمره أولى، وقبول إشارته أحرى، فأجبته إلى ما التمس من ذلك، مستمدا الفتح من القدير المالك.
صفحه ۲۶