احیاء علوم الدین
إحياء علوم الدين
ناشر
دار المعرفة
محل انتشار
بيروت
مريدًا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغير
دبر الأمور لا بترتيب أفكار ولا تربص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن
السمع والبصر وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى ولا يعرب عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِيَ
وَلَا يَغِيبُ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَرْئِيٌّ وَإِنْ دَقَّ
وَلَا يَحْجُبُ سمعه بعد ولا يدفع رؤيته ظلام
يرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق
الكلام وأنه تعالى متكلم آمرناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواه أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان
وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ على رسله ﵈
وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق وأن موسى ﷺ سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض
وإذا كانت له هذه الصفات كان حيًا عالمًا قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا متكلمًا بالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات
الأفعال وَأَنَّهُ ﷾ لَا مَوْجُودَ سِوَاهُ إِلَّا وَهُوَ حَادِثٌ بِفِعْلِهِ وَفَائِضٌ مِنْ عَدْلِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا وَأَتَمِّهَا وَأَعْدَلِهَا وَأَنَّهُ حَكِيمٌ في أفعاله عادل في أقضيته لا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره
ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكًا حتى يكون تصرفه فيه ظلمًا فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وشيطان وسماء وارض وحيوان ونبات وجماد وجوهر وعرض وَمُدْرَكٍ وَمَحْسُوسٍ حَادِثٌ اخْتَرَعَهُ بِقُدْرَتِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ اخْتِرَاعًا وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاءً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شيئًا إذ كان مَوْجُودًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ فَأَحْدَثَ الْخَلْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَتَحْقِيقًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إِرَادَتِهِ وَلِمَا حَقَّ فِي الْأَزَلِ مِنْ كَلِمَتِهِ لَا لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ وَحَاجَتِهِ
وَأَنَّهُ متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب وَمُتَطَوِّلٌ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِصْلَاحِ لَا عَنْ لُزُومٍ فَلَهُ الفضل والإحسان والنعمة والامتنان إذ كان قادرًا على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ولو فعل ذلك لكان منه عدلًا ولم يكن منه قبيحًا ولا ظلمًا
وأنه ﷿ يثبت عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ بِحُكْمِ الْكَرَمِ وَالْوَعْدِ لا بحكم الاستحقاق واللزوم لَهُ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فِعْلٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ظُلْمٌ وَلَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عليه حق
وأن حقه في الطاعات وجب عَلَى الْخَلْقِ بِإِيجَابِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ ﵈ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَلَكِنَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَظْهَرَ صِدْقَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ فَبَلَّغُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به
معنى الكلمة الثانية وهي الشهادة للرسل بالرسالة وَأَنَّهُ بَعَثَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الْقُرَشِيَّ مُحَمَّدًا ﷺ بِرِسَالَتِهِ إِلَى كَافَّةِ الْعَرَبِ والعجم والجن والإنس فنسخ بشريعته الشرائع إلا ما قرره منها
وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر
ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهو قول لا إله إلا الله ما لم تقترن بها شهادة الرسول وهو قولك محمد رسول الله وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ تَصْدِيقَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ عنه من أمور الدنيا والآخرة
وأنه لا يتقبل
1 / 91