والذي حمل النحاة على أن يجعلوا للعطف بابا خاصا، هو فلسفتهم في العامل؛ وذلك أن مثل «قام زيد وعمرو»، رفع فيه الفعل فاعله واستوفى عمله عند الاسم الأول، ولا يعمل الفعل إلا رفعا واحدا، كما قدمنا في نقد نظرية العامل وتلخيص قواعدها، فكان حتما أن يجعلوا رفع الاسم الثاني من سبيل الإتباع للأول. وكذلك الإضافة في مثل: غلام زيد وعمرو، يختلف النحاة في العامل الجر، أهو الاسم الأول؟ أم الحرف المقدر؟ أم معنى الإضافة؟ ثم يتفقون على أن العامل في الإضافة ضعيف أيا كان نوعه. فأما الاسم فإنه ضعيف في باب العمل؛ لا يعمل حتى يحمل على الفعل ويلحق به، وحظه من شبه الفعل هنا ضعيف، وحمله على الفعل في عمل الجر أضعف؛ إذ كان الفعل لا يعمل الجر، ولا يدخله الجر.
وأما الحرف؛ فإن حرف الجر ضعيف أن يعمل محذوفا، وإذا حذف نصب المعمول بعده، وإذا ضعف أن يعمل جرا واحدا، فليس له أن يعمل جرين إلا بسبيل الإتباع.
هذا قولهم، وقد بينا لك من قبل أنا نرجع إلى المعنى، فما كان في المعنى مضافا إليه فهو مجرور، والجر علم الإضافة، ولا شيء من الإتباع في باب العطف.
بقية التوابع
أما سائر التوابع بعد العطف، فهي قسمان:
الأول:
تكون فيه الكلمة الثانية من الأول بمنزلة المكمل للمعنى، المتمم له، حتى لا يفهم المعنى إلا بهما معا، وحتى يكونا في الدلالة على ما يراد بمثابة «عبد الله» في الدلالة على مسماه. تقول: «استشر عاقلا نصيحا»، ليس المستشار، أو من رغبت في أن يستشار، إلا ما أفهمت بالكلمتين: «عاقلا نصيحا»، وكذلك الآية الكريمة:
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (النساء: 92).
وهذا التفسير في معنى هذا النوع من التوابع مأخوذ من قول سيبويه؛ قال في مثل مررت برجل ظريف ما نصه: «فصار النعت مجرورا مثل المنعوت لأنهما كالاسم الواحد، من قبل أنك لم ترد الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل، ولكنك أردت الواحد من الرجال الذين كل منهم رجل ظريف فهو نكرة، وإنما كان نكرة لأنه من أمة كلها له مثل اسمه؛ وذلك أن الرجال كل واحد منهم رجل، والرجال الظرفاء كل واحد منهم رجل ظريف، واسمه يخلطه بأمته حتى لا يعرف منها.»
2
صفحه نامشخص