به بمذاهب الفقهاء المعتبرين؛ بدءًا من الصحابة الكرام، ومَن تلاهم من التابعين، حتى الأئمة الأربعة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، ومَن سار خلفهم من كبار علماء الإِسلام الذين يعتدُّ بقولهم، ويُرجع إلى رأيهم ونظرهم. . وكان يسوق أقوالَهم، ويستقصي مذاهبهم من كتبهم المعتمدة، بكلِّ أمانة وإنصاف وإتقان واستيفاء، ثم يبيِّن قويَّ هذه الآراء وقويمها بالحجة والبرهان، دون تعصُّب لمذهب أو انسياق مع فكرة لمكابقة، فهو متحرٍّ للدليل، مجتهدٍ في الرأي، غير منتقٍ من الآراء بدافع هوًى معين، أو ملفقٍ بين بعضها تحت ضغط رغبة جامحة أو نزوة طارئة!. . وقد بلغ في هذا شأوًا بعيدًا، فهذا الكتاب من هذه الناحية كتاب فقه مقارن، وبه يظهر لنماذج من عصرنا وقد نتفوا من القرآن أو السنّة نتفًا، ولم يلامسوا من العربية إلا القليق، وأرادوا الإجتهاد، يظهر لهم كيف يكون الإجتهاد، إنهم بنتفهم قد ضلوا وأضلوا، وزلوا أيما زلل وأزلوا، فالإجتهاد كلمة محبّبة، ولكن الوصول إليها ليس بالآمر الهين، إنه ليس بجمع نصوص لا يدري جامعها ما يصنع بها، أو النظر فيها دون معرفة تفسير الذين نقلوها ورووها. .
إنَّ من المهمَّات في باب الإجتهاد الإِحاطة بمذاهب المتقدمين، ومعرفة دليل كل واحد منهم، وحجته فيما ذهب إليه، وإنَّ من ينظر إلى صنيع ابن القطان في هذا الكتاب يتيقَّن أنه من النخبة المتميزة في تاريخ الفقه الإِسلامي.
وإن المكتبة الفقهية التي رجع إليها ابن القطان لاستعراض المذاهب والآراء واسعة جدًّا، عرفناها من خلال هذا الكتاب، ومن خلال كتابه البديع المسمى (الإِقناع في مسائل الإِجماع) (١)، الذي نخل فيه كتب فقه المذاهب المعتمدة وأصولها المتداولة المرضية في كل مذهب، وعرفنا من خلاله دقته وحسن تصرفه في كتب الفقه على اختلافها.
_________
(١) طبع بتحقيقنا مع شرحه ودراسته في دار القلم بدمشق.
1 / 12