. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَقَصَّرْتُ، وَنَهَيْتَنِي فَعَصَيْتُ، وَلَكِنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَبَدَّ النَّظَرَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَرَى حَضْرَةً مَا هُمْ بِإِنْسٍ وَلَا جِنٍّ، ثُمَّ قُبِضَ "
وَقَوْلُهَا " بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي " قِيلَ " الذَّاقِنَةُ " نَقْرَةُ النَّحْرِ، وَقِيلَ: طَرَفُ الْحُلْقُومِ وَقِيلَ: أَعْلَى الْبَطْنِ وَ" الْحَوَاقِنُ " أَسَافِلُهُ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ: مَا يَحْقِنُ الطَّعَامَ أَيْ يَجْمَعُهُ وَمِنْهُ الْمِحْقَنَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - الَّتِي يُحْتَقَنُ بِهَا، وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: لَأَجْمَعَنَّ بَيْنَ ذَوَاقِنِكَ وَحَوَاقِنِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ الِاسْتِيَاكُ بِالرَّطْبِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْأَخْضَرَ لِغَيْرِ الصَّائِمِ أَحْسَنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِيَابِسٍ، قَدْ نُدِّيَ بِالْمَاءِ، وَفِيهِ إصْلَاحُ السِّوَاكِ وَتَهْيِئَتُهُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ " فَقَضَمْتُهُ " وَالْقَضْمُ بِالْأَسْنَانِ، وَمِنْ طَلَبِ الْإِصْلَاحِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِيَابِسٍ قَدْ نُدِّيَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ أَبْلَغُ فِي الْإِزَالَةِ، وَتَنْدِيَتُهُ بِالْمَاءِ: لِئَلَّا يَجْرَحَ اللِّثَةَ لِشِدَّةِ يَبِسِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: الِاسْتِيَاكُ بِسِوَاكِ الْغَيْرِ، وَفِيهِ: الْعَمَلُ بِمَا يُفْهِمُ، مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْحَرَكَاتِ، وَقَوْلُهُ ﷺ " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى " إشَارَةٌ مِنْهُ ﷺ إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦٩]، الْآيَةُ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧] إشَارَةٌ إلَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦٩] فَكَأَنَّ هَذِهِ تَفْسِيرٌ لِتِلْكَ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ صُنِّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ يُفَسَّرُ فِيهِ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ ﷺ " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " الْأَعْلَى " مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ، الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَفْهُومٌ يُخَالِفُ الْمَنْطُوقَ، كَمَا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] وَلَيْسَ ثَمَّةَ دَاعٍ إلَهًا آخَرَ لَهُ بِهِ بُرْهَانٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ٢١] وَلَا يَكُونُ قَتْلُ النَّبِيِّينَ إلَّا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَوْنُ " الرَّفِيقِ " لَمْ يُطْلَقْ إلَّا عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ الرَّفِيقُ، وَيُقَوِّي هَذَا: مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ " وَلَمْ يَصِفْهُ بِالْأَعْلَى، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِلَفْظَةِ " الرَّفِيقِ الْأَعْلَى "، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّفِيقِ: مَا يَعُمُّ الْأَعْلَى وَغَيْرَهُ، ثُمَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
1 / 110