. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ مُطْلَقًا، وَرَأَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَزَعَمَ أَنَّ نَاسِخَهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ. فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ التَّرْخِيصَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبُنْيَانِ فَمَنَعَ فِي الصَّحَارِي، وَأَجَازَ فِي الْبُنْيَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى الْحَدِيثَ الَّذِي يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُنْيَانِ.
فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، فَحَمَلَ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ - وَمَا فِي مَعْنَاهُ - عَلَى الصَّحَارِي، وَحَمَلَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْبُنْيَانِ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا. فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ. فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَمْلَ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عَلَى الصَّحَارِي مُخَالِفٌ لِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ مِنْ الْعُمُومِ. فَإِنَّهُ قَالَ " فَأَتَيْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قَبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا " فَرَأَى النَّهْيَ عَامًّا.
الرَّابِعُ: اخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ هَذَا النَّهْيِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لِإِظْهَارِ الِاحْتِرَامِ وَالتَّعْظِيمِ لِلْقِبْلَةِ.؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى مُنَاسِبٌ وَرَدَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ، فَيَكُونُ عِلَّةً لَهُ. وَأَقْوَى مِنْ هَذَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ: مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ. فَلْيُكَرِّمْ قِبْلَةَ اللَّهِ ﷿، وَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ» وَهَذَا ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَمْرٍ آخَرَ.
فَذَكَرَ عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ - هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - عَجِبْتُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَمَا قَالَا؟ قُلْتُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا
1 / 96