وكان ابن الخطيب معجبا بشعره، معتدّا به، اسمعه وهو يقول من قصيدة هنّأ بها الغني بالله يوم عقد بيعته سنة ٧٥٥ هـ «١»: [الطويل]
ودونكها من بحر فكري جواهرا ... تقلّد في نحر وتنظم في عقد
ركضت لها خيل البديهة جاهدا ... وأسمعت آذان المعاني على بعد
تناول فيه موضوعات الشعر العربي وأغراضه المعروفة من مديح ورثاء وغزل ... وقد استفرغ معظم مدائحه في سلاطين بني نصر، وكان أبو الحجّاج يوسف أوفرهم نصيبا. كما مدح سلاطين بني مرين بالمغرب. وجرى في قصائد المديح ومقطوعاته على سنن قدماء المسارقة، فبدأها بالغزل ووصف الخمر والطّلل، وعدّد فيها صفات الممدوح المعروفة من شجاعة وكرم ومروءة وعدل ... كذلك له مدائح نبوية قالها في مناسبة ذكرى مولد الرسول الكريم، أشاد فيها بذكره، وأشار إلى بعض معجزاته، وهي تختلف عن قصائد المدح من حيث دفق العاطفة وحرارة الإيمان.
وفي الرثاء بدت عاطفته صادقة، عبّر فيه بوجدانية صادقة عن إحساسه العميق بحقيقة الموت، ولا سيما في رثاء زوجته التي أخذت منه كل مأخذ، فقد أظهر رثاؤه مدى لوعته وحرقته على فقدها، حيث أحسّ بقرب الرحيل، فطلب منها أن تمهّد لديها مضطجعا له «٢»: [المنسرح]
روّع بالي وهاج بلبالي ... وسامني الثّكل بعد إقبال
فانتظريني، فالشّوق يقلقني ... ويقتضي سرعتي وإعجالي
ومهّدي لي لديك مضطجعا ... فعن قريب يكون ترحالي
ولمّا توقّع، وهو في السجن، مصيبة الموت، نظم شعرا مؤثّرا، بكى فيه نفسه «٣»: [المتقارب]
بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا لوعد ونحن صموت
وكنّا عظاما فصرنا عظاما «٤» ... وكنّا نقوت فها نحن قوت
وكنّا شموس سماء العلا ... غربن فناحت عليها السّموت
€
المقدمة / 12