وأحس محمود أن أفكاره مبلبلةن لا يدري ما يفعل؛ هل يفر هو وعائشة؟ إلى أين؟
وذهب إلى العمدة وعرف المواعيد، متى يسافر للكشف؟
وقبل السفر بيوم قعد إلى عائشة عند القناة، وقبل يدها وذراعها، وعنقها، ووجهها، وتشمم رأسها، وبكى، وبكت هي أيضا بعد أن قبلت يده، وتواعدا على الزواج عقب رجوعه من الخدمة العسكرية، ومع أن الحزن كان يغشي قلبها فإن أمل الزواج بعد سنة أو سنتين كان يملؤها بشجاعة وتفاؤل.
وسافر محمود إلى القاهرة، وبقيت عائشة وحدها في القرية، واستفاض الشباب في جسم عائشة؛ فبرز صدرها وتوردت وجنتاها وضحكت عيناها، وتحدثت نساء القرية عن جمالها.
وكان شيخ الخفراء في القرية رجلا طيبا يملك نحو فدان، وكان لذلك يعد من الأعيان الموسرين، وكان قد تجاوز الستين وماتت زوجته قبل ثلاث سنوات وخلفت له بنتين لم تتجاوز كبراهما العاشرة من العمر.
وكانت له أخت تحبه وتحضر كل يوم إلى منزله لخدمته وخدمة البنتين، وكانت تعرف عائشة وتتحدث عن جمالها وفتنتها.
وذات صباح، عندنا بكرت إلى بيت أخيها، وجدته قاعدا إلى الموقد يهيئ القهوة، فقعدت إليه وشرعت تتحدث عن متاعبه وهو بلا زوجة وبلا ولد يرثه ويخلد اسمه، ولماذا لا يتزوج عائشة؟ بنت فقيرة وجميلة، ومن من فتيات القرية لا يتزوجنه وهو يملك فدانا غير مرتب الخفر؟!
ونفض الشيخ على هذا الاقتراح بيديه استنكارا وهو يقول: أنا رجل مسن، ومريض، لي إيه في الزواج؟
فقالت أخته: ولكنك تحتاج للزواج لهذا السبب نفسه، امرأة تعتني بك وتريحك.
وما زالت به تعاوده كل يوم بقصة الزواج من عائشة حتى قبل، وذهبت هي إلى والدي عائشة، واقترحت عليهما هذا الاقتراح الذي تلقاه الأبوان بالاستنكار أولا، ولكن بعد أيام، وبعد المحاورة بينهما وبين عائشة، التي أصرت على الرفض، قبلا، ولم يكونا يعرفان شيئا عن حب عائشة لمحمود، وتواعدهما على الزواج بعد عودته من الجندية.
صفحه نامشخص