اداره اسلامی در عزت عرب
الإدارة الإسلامية في عز العرب
ژانرها
64
المأمون وصيته عند الموت إلى أخيه المعتصم قال فيها: وأبو عبد الله أحمد بن أبي داود لا يفارقك الشركة في المشورة في كل أمر فإنه موضع ذلك، ولا تتخذن من بعدي وزيرا. ومن جملة ما أوصى به المأمون أخاه المعتصم في مرضه: خذ بسيرة أخيك في القرآن والإسلام، واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله، الخائف من عقابه وعذابه، ولا تغتر بالله ومهلته، وكأن قد نزل بك الموت. ومن ذلك عرفنا أن سياسة المأمون ملكه كانت علما وعملا، وهكذا يريد أن يكون عماله. وعظه رجل فأصغى إليه منصتا فلما فرغ قال: قد سمعت موعظتك فأسأل الله أن ينفعنا بها وربما عملنا، غير أنا أحوج إلى المعاونة بالفعال منا إلى المعاونة بالمقال؛ فقد كثر القائلون وقل الفاعلون.
وكان في المأمون شيء من الجاذبية الفطرية يستميل بها القلوب، ويجمعها على حبه؛ ذلك أنه كان يعرف أمزجة أمته فيشغلها في المفيد، ولا لغو ولا لهو في حياته، فكان بإدارته مثال الجد في الخوالف من بني العباس، يفكر في أمر رعيته أكثر من تفكيره في أمور نفسه. كتب إلى عامله على دمشق في التقدم إلى عماله في حسن السيرة وتخفيف المئونة وكف الأذى عن أهل محله، وأن يتقدم إلى عماله في ذلك أشد التقدمة، وأن يكتب إلى عمال الخراج بمثل ذلك، وكتب بهذا إلى جميع عماله في أجناد الشام. واستجلب المأمون لمساحة أرض الشام مساح العراق والأهواز والري. وكان يعدل الخراج إذا شكا منه أهله. وكان العلاء بن أيوب لما ولي فارس من قبل المأمون يكتب عهد العمال فيقرؤه من يحضره من أهل ذلك العمل، ويقول أنتم عيوني عليه فاستوفوه منه، ومن تظلم إلي منه فعلي إنصافه ونفقته جائيا وراجعا. ويأمر العمال أن يقرءوا عهده على أهل عمله في كل جمعة، ويقول لهم: هل استوفيتم؟
أصاب أهل مكة سيل جارف مات تحته خلق كثير، فكتب والي الحرمين إلى المأمون يذكر له الحال، فوجه إليه المأمون بالأموال الكثيرة، وكتب إلى الوالي: «أما بعد، فقد وصلت شكيتك لأهل حرم الله إلى أمير المؤمنين، فبكاهم بقلب رحمته، وأنجدهم بسيب نعمته، وهو متبع ما أسلف إليهم، بما يخلفه عليهم عاجلا وآجلا، إن أذن الله في تثبيت عزمه على صحة نيته.» قالوا: فصار كتابه هذا آنس لأهل مكة من الأموال التي أنفذها، وكان له في كل بلد حوادث من الإحسان قلما يتسامى إليها أحد من الخلفاء. ولقد ذكر المؤرخون أن المأمون لما كان في دمشق أضاق إضاقة شديدة، ثم وافاه المال ثلاثون ألف ألف ألف درهم. فقال ليحيى بن أكثم: اخرج بنا لننظر إلى هذا المال. فخرج وخرج الناس، وكان قد زين الحمل وزخرف، فنظر المأمون منه إلى شيء حسن كثير، فاستعظم الناس ذلك واستبشروا به. فقال المأمون: إن انصرافنا إلى منازلنا بهذا المال وانصراف الناس خائبين لؤم. فأمر كتابه أن يوقع لهذا بألف ألف ولذاك بمثلها ولآخر بأكثر منها حتى فرق أربعة وعشرين ألف ألف ألف درهم (ثلاث مرات) ورجله في الركاب، ثم حول الباقي على عرض الجيش برسم مصالح الجند.
وذكروا أن المأمون عقد لأخيه أبي إسحق على ثغر المغرب، ولابنه العباس على الشام والجزيرة، ولعبد الله بن طاهر على الجند ومحاربة بابك . وفرق فيهم ما لم يفرق مثله أحد مذ كانت الدنيا: أمر لكل واحد منهم بخمسمائة ألف دينار. وما كان المأمون يضن بمال إذا كان فيه صلاح الدولة والرعية. وخمسمائة ألف دينار يأخذها العامل ينفقها في أتباعه ورجاله ومروءته. وكانت نفقة المأمون كل يوم ستة آلاف دينار يصرف أكثرها على الرعية ولا يناله منها إلا جزء طفيف. كتب عمرو بن مسعدة إلى المأمون كتابا يستعطفه على الجند ونصه: «كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من أجناده وقواده في الطاعة والانقياد على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، واختلت أحوالهم.» فقال المأمون: والله لأقضين حق هذا الكلام. وأمر بإعطائهم ثمانية أشهر، وكتب بعض ولاة الأجناد إلى المأمون: «إن الجند شغبوا ونهبوا.» فكتب إليه: «لو عدلت لم يشغبوا، ولو وفيت لم ينهبوا.» وعزله عنهم، وأدار عليهم أرزاقهم.
ويتعذر تعداد أفضال المأمون على الأفراد، وحرصه على اختيار رجاله وعنايته بآرائهم وتجاربهم، وغرامه بالعفو والإحسان. قال أحمد بن أبي خالد وزير المأمون لثمامة بن أشرس: كل واحد في هذه الدار - أي في دار الخليفة - له معنى غيرك؛ فإنه لا معنى لك في دار أمير المؤمنين. فقال له المأمون: إن له معنى في الدار، والحاجة إليه بينة. قال: وما الذي يصلح له؟ قال: أشاوره في مثلك هل تصلح لمن معك أو لا تصلح. وثمامة هو من الجماعة الذين كانوا يغشون دار الخلافة
65
وهي دار العامة، ومنهم محمد بن الجهم والقاسم بن سيار، وكان هؤلاء الرجال أشبه بالمستشارين بل أشبه بدعاة الدولة وعنوان الخلافة. هذا إلى ما هناك من شعراء وأدباء وعلماء وفقهاء يختلفون في الأحايين إلى الخليفة فيشاركهم في حديثهم، وينافسهم في صناعتهم، ويفضل عليهم من هباته، فيخرجون وألسنتهم تنطق بحمده، وتدعو بدوام ملكه، ويذكرون للعامة والخاصة ما هو عليه من بعد النظر في سياسة الملك. قال الجاحظ: كان إبراهيم بن السندي مولى أمير المؤمنين عالما بالدولة شديد الحب لأبناء الدعوة، وكان يحوط مواليه ويحفظ أيامهم، ويدعو الناس إلى طاعتهم ويدرسهم مناقبهم، وكان فخم المعاني فخم الألفاظ، لو قلت لسانه كان أرد على هذا الملك من عشرة آلاف سيف وسنان طرير لكان ذلك قولا ومذهبا.
أرانا قد خرجنا من وصف إدارة المأمون إلى وصف سيرته، ونحن إلى ذلك مسوقون على الرغم منا، وأنى لنا أن نصدر حكما صحيحا على حكومة مطلقة قبل أن نتعرف أخلاق رأسها خليفة أو كان ملكا أو أميرا. والرأس هو الكل في مثل هذه الدول، إذا صلح صلح الجسد كله.
الإدارة على عهد المعتصم وأخلافه
صفحه نامشخص