دليل ذلك : أن من وجب عليه قضاء دين أو رد وديعة أو نحو ذلك ولم يتمكن من ذلك إلا بالقيام وفتح الباب وإخراج المال فإنها تجب عليه هذه الأفعال كلها، وإنما وجبت عليه لكونها وصلة إلى الواجب، بدليل أن العقلاء يذمون على الإخلال بها كما يذمون على الإخلال برد الوديعة. فتقرر بهذا الدليل وجوب النظر لأجل كون المعرفة لا تحصل إلا به.
تنبيه : ما ذكرناه في أثناء الدليل من قولنا : أن جهل المنعم (مستلزم للإخلال) بشكره . فمبني على أن الطاعات شكرا كما هو مذهب الهادي عليه السلام وقدماء العترة،وأما من يقول : أن الشرائح ألطاف في العقليات،وأن الشكر الاعتراف فقط . كما هو مذهب المهدي عليه السلام ، وكثير من المعتزلة وبعض صفوة الشيعة فيقولون : إن وجه وجوب المعرفة كونها ألطافا في أداء الواجبات . ومعنى ذلك أن العبد إذا عرف أن له خالقا يثيبه إن أطاعه ويعاقبه إن عصاه كان أقرب إلى أداء الواجبات ، وكلامهم من أصله باطل لقوله تعالى { اعملوا آل داود شكرا } (سبأ:13) ، وإجماع أهل العربية على أن الشكر قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان في مقابلة النعمة قال الشاعر:
أفادكم النعماء مني ثلاثة .... يدي ولساني والضمير المحجبا
[ أدلة وجوب النظر ]
وأما الدليل:على وجوب النظر من جهة السمع فقوله تعالى { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } (الغاشية:17). ونحوها،وقصرت المجبرة الاستدلال على ذلك على السمع وأنكرت أن يكون العقل دليلا بناء منهم على أصلهم وهو إنكار التحسين والتقبيح العقليين،وكلامنا عليهم من جهة إبطال أصلهم بالكلية،ومن جهة إبطال إنكار أن يكون العقل دليلا على وجوب النظر خاصة.
صفحه ۱۹