کتاب الایضاح در شرح مصباح
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
ژانرها
قلت:وهم يعنون بالكرامات ما ليس من الخوارق الناقضة للعادة كفلق البحر وقلب العصا حية إذ في ظهورها عليهم حط لمرتبة الأنبياء وقد صرح بذلك المهدي عليه السلام.والذي يدل على الأصل الأول وهو أن المعجز ظهر على يده عقيب دعوى النبوءة أنه جاء بالقرآن.ذلك معلوم ضرورة عند من عرف الأخبار وروى السير والآثار وجعله معجزا له وذلك معلوم ضرورة كما مر ولم يسمع من غيره قبله وإنما جعل القرآن عمدة من بين سائر المعجزات لكونه منقولا بالتواتر بلى خلاف وغيره وإن كان قد تواتر كحنين الجذع عند أئمتنا عليهم السلام والبغداذية إلا أن شهرة تواتر القرآن أكثر، ولهذا خالف أبو علي وأبو هاشم في تواتر غيره ولما تضمن من العلوم الغيبية ولأنه في كل وقت يفصح بالتحدي والدلالة على العجز عن معارضته والإقرار بأنه معجز، ووجه إعجازه عند أئمتنا (عليهم السلام) والجمهور بلاغته الخارقة للعادة لأنه تحدى به فصحاء العرب فلم يأتوا بشيء من ذلك،ومعنى التحدي هو طلب الفعل ممن عرف الطالب عجزه عنه (إظهار لعجزه) عنه وإنما لم يأتوا به لعجزهم عنه فوجب أن يكون القرآن معجزة ظاهرة على يديه عقيب دعوى النبوءة صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ظاهره أن الإشارة راجعة إلى الأصول الثلاثة وهي:أنه جاء بالقرآن، وأنه جعله معجزة له، وأنه تحدى به العرب، فتكون كلها محتاجة إلى الفحص والتفتيش، وصاحب الخلاصة جعل الأولين مما لا يحتاج إلى فحص وتفتيش بخلاف الثالث مع الاشتراك في أنها معلومة بالضرورة.قال الدواري:بل هي محتاجة إلى ذلك إلا أنه في الآخر أكثر. والحاصل أن لنا في بيان ذلك طريقين.أحدهما:أنه معلوم ضرورة لمن كان له أدنى فحص وتفتيش، فمن عرف أحواله عليه السلام وسمع سيره وأخباره، علم أنه كان يغشى به مجامع العرب ومشاهدهم، ويتلوه عليهم ويحدثهم به والأمر في ذلك ظاهر،والطريق الثاني أن القرآن مشحون بآيات التحدي وقد رتب الله التحدي في ثلاث مراتب. الأولى أنه تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن قال تعالى{أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}(الطور:33،34) ثم أخبر أنهم لا يأتون بمثله قال تعالى{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}(الإسراء:88) فلما لم يأتوا بشيء من ذلك أنزلهم مرتبة ثانية فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فقال تعالى{فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}(هود:13) فلما لم يأتوا بشيء من ذلك أنزلهم الله مرتبة ثالثة فتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله قال تعالى{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة:23) فلما لم يأتوا بشيء من ذلك توعدهم وتهددهم فقال{فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(البقرة:24) (وهذا) غاية التحدي الباعث على المعارضة ولاشك أنهم كانوا يستمعون هذه الآيات كما كانوا يستمعون سائر القرآن، فهذه ثلاثة أصول مقطوع بها. وأما الأصل الرابع وهو أنهم بعد التحدي لم يأتوا بشيء من ذلك فقد بينه بقوله{فلم يأتوا بحديث مثله}(الطور:34) علم ذلك ضرورة وإلا لنقل لعلمنا ضرورة أن العرف يقتضي ذلك في كل متعارضين ألا ترى إلى نقائض جرير والفرزدق كيف استوى نقلهما في الاستفاضة والظهور، وكان الموجب لذلك أن ما يدعوا إلى نقل أحدهما من تعجب وتعصب هو بعينه يدعوا إلى نقل الآخر وهذه القضية في القرآن ألزم لعظم خطره في نفسه من حيث اقتضى إثبات نبؤة ونسخ شريعة، فكانت معارضته تقوى بحسب قوته وكانت دواعي المتمسكين به متوفرة إلى نقل المعارضة لو كانت ليثبتوا به أن المعارضة غير قادحة فيه وأن المكذبين له لم يعدم منهم الإتيان بمثله إلا لعجزهم عنه لأن حالهم كحال المتمسكين به في أن دواعيهم كانت متوفرة قوية إلى معارضته ليبطلوا به نبؤته صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لأنه ادعى عليهم المرتبة العظمى، وهو أنه أولى بهم من أنفسهم وله التصرف في أرواحهم وأموالهم بسبب ما جاء به من القرآن الذي جعل عجزهم عن معارضته دليلا على صدقه فلم يعارضوه بل عدلوا إلى القتال حتى ذهب كثير منهم قتلا وأسرا، فلو قدروا على المعارضة لم يعدلوا عنها لسهولتها وعلمهم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبطل بها، فلما عدلوا إلى المحاربة الشاقة الصعبة وتحملوا خطوبها وأخطارها وتلك المحاربة من الأمور التي لا تدل على صحة صحيح ولا بطلان باطل دل ذلك على عجزهم عن معارضة القرآن لعلمنا أن العاقل (لا يقدم على) الأمر الشاق الذي فيه هلاك نفسه وذهاب أمواله وأولاده مع القدرة على تحصيل غرضه بالأمر الذي لا مشقة فيه ولا خطر معه، فثبت بتقرير هذه الأصول أنه أي القرآن معجز دال على نبؤة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه.
صفحه ۲۰۹