وإن عم الماء بدن المجنب مرة واحدة أجزأه، والمأمور به ثلاث مرات قياسا على الوضوء والله أعلم. وإن بدأ من أعلى جسده بالغسل إلى موضع استنجائه فاستنجى وغسل ما بقي من جسده فإنه يجزيه غسله، والمستحب له أن ينزع النجس من جسده قبل؛ ثم يبدأ بالغسل لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم. فإن قال قائل: هلا كان الغسل([22]) لا يجزي إلا بعد الاستنجاء وزوال النجاسة كالوضوء، لأن الغسل طهارة، والطهارة تؤثر فيها الأنجاس؟ قيل له: الفرق بينهما في هذه الجهة أن الأنجاس تؤثر في الوضوء بعد كماله، ولا تؤثر في الغسل بعد كماله بإجماع، ولذلك جاز الغسل قبل الاستنجاء بخلاف الوضوء والله أعلم. وإن غسل جسده كله إلا أقل القليل فإنه لا يجزيه حتى يقصده بالغسل، وقال بعضهم: إن بقي أقل القليل يجزيه، وسبب اختلافهم عندي هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟ والقول الأول أصح لقوله عليه الصلاة والسلام: ( تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر وأنقوا البشرة ). ولما روي ( أن النبي عليه الصلاة والسلام اغتسل من جنابة فرأى في بدنه لمعة([23]) لم يصبها الماء، فعصر جمته، ثم مسحها بها بما قطر منها ).
صفحه ۱۸۴