الاعتصام
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
ویرایشگر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
محل انتشار
السعودية
فَمُسَلَّمٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْعَادِيَّاتِ، بَلْ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيمَا فِيهِ تَعْبُدٌ: إِنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: هَلْ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ أَمْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ؟ بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ التَّعَبُدِيَّاتِ إِنَّمَا وَضْعُهَا لِلشَّارِعِ، فَلَا يُقَالُ فِي صَلَاةٍ سَادِسَةٍ - مَثَلًا - إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَلِلْمُكَلَّفِ وَضْعُهَا - عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - لِيَتَعَبَّدَ بِهَا لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ بِإِطْلَاقٍ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ مُبْتَدَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَدْرِكَ عَلَى الشَّارِعِ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادِيَّاتِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ فَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ، وَتَرْكَ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَهُ عَلَى تَوَالِي أَزْمِنَتِهِمْ؛ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَصٌّ فِي التَّرْكِ، وَإِجْمَاعٌ مِنْ كُلِّ مَنْ تَرَكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِجْمَاعِ كَنَصِّهِ؛ كَمَا أَشَارَ مَالِكٌ فِي كَلَامِهِ.
وَأَيْضًا؛ فَمَا يُعَلِّلُ لَهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ:
وَقَدْ أَتَى الرَّادُّ بِأَوْجَهٍ مِنْهُ:
(أَحَدُهَا): أَنَّ الدُّعَاءَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ لِيُظْهِرَ وَجْهَ التَّشْرِيعِ فِي الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ بِآثَارِ الصَّلَوَاتِ مَطْلُوبٌ:
وَمَا قَالَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً بِسَبَبِ الدَّوَامِ وَالْإِظْهَارِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ اتِّفَاقًا مِنَّا وَمِنْهُ، فَانْقَلَبَ إِذًا وَجْهُ التَّشْرِيعِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ إِظْهَارَ التَّشْرِيعِ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْلَى، فَكَانَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا أَوْلَى لِلْإِظْهَارِ، وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ ﵊؛ دَلَّ عَلَى تَرْكٍ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي، فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ زَمَانِهِ فِي تِلْكَ
1 / 472