351

الاعتصام

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

پژوهشگر

سليم بن عيد الهلالي

ناشر

دار ابن عفان

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

محل انتشار

السعودية

شَرْطًا فِي الْعَمَلِ بِمَا شُرِعَ لَهُمْ؛ فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا ذَلِكَ الْقَصْدَ، فَإِلَى أَيْنَ سَارَ بِهِمْ؛ سَارُوا، وَإِنَّمَا شَرَعَ لَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ إِذَا نُسِخَ بِغَيْرِهِ؛ رَجَعُوا إِلَى مَا أَحْكَمَ وَتَرَكُوا مَا نُسِخَ، وَهُوَ مَعْنَى ابْتِغَاءَ الرِّضْوَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا وَأَصَرُّوا عَلَى الْأَوَّلِ؛ كَانَ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى، لَا اتِّبَاعًا لِلْمَشْرُوعِ، وَاتِّبَاعُ الْمَشْرُوعِ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الرِّضْوَانُ، وَقَصْدُ الرِّضْوَانَ بِذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٧]، فَالَّذِينَ آمِنُوا هُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الرَّهْبَانِيَّةَ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَالْفَاسِقُونَ هُمُ الْخَارِجُونَ عَنِ الدُّخُولِ فِيهَا بِشَرْطِهَا، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْرُوعَ لَهُمْ يُسَمَّى ابْتِدَاعًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدُّ الْبِدْعَةِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يُسَمَّى بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ أَخَلُّوا بِشَرْطِ الْمَشْرُوعِ، إِذْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِبَادَةُ مَشْرُوطَةً بِشَرْطٍ، فَيَعْمَلُ بِهَا دُونَ شَرْطِهَا؛ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً عَلَى وَجْهِهَا، وَصَارَتْ بِدْعَةً؛ كَالْمُخِلِّ قَصْدًا بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ مِثْلَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوِ الطَّهَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَحَيْثُ عَرَفَ بِذَلِكَ وَعَلِمَهُ؛ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَدَأَبَ عَلَى الصَّلَاةِ دُونَ شَرْطِهَا؛ فَذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ، فَيَكُونُ تَرَهُّبُ النَّصَارَى صَحِيحًا قَبْلَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا بُعِثَ؛ وَجَبَ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى مِلَّتِهِ، فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ مَعَ نَسْخِهِ بَقَاءً عَلَى مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالشَّرْعِ، وَهُوَ عَيْنُ الْبِدْعَةِ.

1 / 371