338

الاعتصام

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

پژوهشگر

سليم بن عيد الهلالي

ناشر

دار ابن عفان

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

محل انتشار

السعودية

وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْبَنِي النَّظَرُ فِي حَقِيقَةُ الرِّقَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ الْمُحَرِّكَةُ لِلظَّاهِرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرِّقَّةَ ضِدُّ الْغِلَظِ، فَنَقُولُ: هَذَا رَقِيقٌ لَيْسَ بِغَلِيظٍ، وَمَكَانٌ رَقِيقٌ إِذَا كَانَ لَيِّنَ التُّرَابِ، وَضِدُّهُ الْغَلِيظُ، فَإِذَا وُصِفَ بِذَلِكَ الْقَلْبُ؛ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى لِينِهِ وَتَأَثُّرِهِ، ضِدُّ الْقَسْوَةِ.
وَيَشْعُرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣]؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ الرَّقِيقَ؛ إِذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَوْعِظَةُ؛ خَضَعَ لَهَا وَلَانَ وَانْقَادَ.
وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢].
فَإِنَّ الْوَجَلَ تَأَثُّرٌ وَلِينٌ يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ بِسَبَبِ الْمَوْعِظَةِ، فَتَرَى الْجِلْدَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقْشَعِرُّ، وَالْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَاللِّينُ إِذَا حَلَّ بِالْقَلْبِ - وَهُوَ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ - حَلَّ بِالْجِلْدِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِنْسَانِ ـ؛ فَقَدْ حَلَّ الِانْفِعَالُ بِمَجْمُوعِ الْإِنْسَانِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي السُّكُونَ لَا الْحَرَكَةَ، وَالِانْزِعَاجَ وَالسُّكُونَ لَا الصِّيَاحَ، وَهِيَ حَالَةُ السَّلَفِ الْأَوَّلِينَ - كَمَا تَقَدَّمَ ـ.
فَإِذَا رَأَيْتَ أَحَدًا سَمِعَ مَوْعِظَةً أَيَّ مَوْعِظَةٍ كَانَتْ؛ فَيَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَثَرِ مَا ظَهَرَ عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ عَلِمْتَ أَنَّهَا رِقَّةٌ هِيَ أَوَّلُ الْوَجْدِ، وَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَا اعْتِرَاضَ فِيهَا.
وَإِذَا رَأَيْتَ أَحَدًا سَمِعَ مَوْعِظَةً قُرْآنِيَّةً أَوْ سُنِّيَّةً أَوْ حِكْمِيَّةً؛ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شَيْءٌ، حَتَّى يَسْمَعَ شِعْرًا مُرَنَّمًا أَوْ غِنَاءً مُطْرِبًا فَتَأَثَّرَ؛ فَإِنَّهُ

1 / 357