الاعتصام
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
ویرایشگر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
محل انتشار
السعودية
مناطق
•اسپانیا
امپراتوریها
بنو الاحمر (نصریان گرانادا)
" إِنِ اخْتَلَفَ عَلَى الْمُرِيدِ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ؛ يَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ، وَيَقْصِدُ أَبَدًا الْخُرُوجَ عَنِ الْخِلَافِ؛ فَإِنَّ الرُّخَصَ فِي الشَّرِيعَةِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالْأَشْغَالِ، وَهَؤُلَاءِ الطَّائِفَةُ - يَعْنِي: الصُّوفِيَّةَ - لَيْسَ لَهُمْ شُغْلٌ سِوَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِذَا انْحَطَّ الْفَقِيرُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَقِيقَةِ إِلَى رُخْصَةِ الشَّرِيعَةِ؛ فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَهُ مَعَ اللَّهِ، وَنَقَضَ عَهْدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ".
فَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمُ التَّرَخُّصُ فِي مَوَاطِنِ التَّرَخُّصِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. . . . فَالْتِزَامُ الْعَزَائِمِ مَعَ وُجُودِ مَظَانِّ الرُّخَصِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»، فِيهِ مَا فِيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ اسْتَحْسَنُوهَا قَمْعًا لِلنَّفْسِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَيْلِ إِلَى الرَّاحَةِ، وَإِيثَارًا إِلَى مَا يُبْنَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُجَاهَدَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُشَيْرِيَّ جَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَبْنِي عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي طَرِيقِهِمْ: " الْخُرُوجَ عَنِ الْمَالِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يَمِيلُ إِلَيْهِ بِهِ عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَمَعَهُ عَلَاقَةٌ مِنَ الدُّنْيَا؛ إِلَّا جَرَّتْهُ تِلْكَ لِعَلَاقَةٍ عَنْ قَرِيبٍ إِلَى مَا مِنْهُ خَرَجَ. . . " إِلَى آخَرِ مَا قَالَ.
وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ مَعَ ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّا نَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَفِي حَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، إِذْ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالْخُرُوجِ عَنْ مَالِهِ، وَلَا أَمَرَ صَاحِبَ صَنْعَةٍ بِالْخُرُوجِ عَنْ صَنْعَتِهِ، وَلَا
1 / 273