الاعتصام
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
ویرایشگر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
محل انتشار
السعودية
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَبُسِطَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ هُنَالِكَ.
فَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، إِذْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَالْمُتَكَرِّرَةِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى وَبِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ: أَنَّ «كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وَأَنَّ «كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ». . . . وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْبِدَعَ مَذْمُومَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ فِي آيَةٍ وَلَا حَدِيثٍ تَقْيِيدٌ وَلَا تَخْصِيصٌ وَلَا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا; فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهَا عَلَى عُمُومِهَا وَإِطْلَاقِهَا.
وَالثَّالِثُ: إِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ يَلِيهِمْ عَلَى ذَمِّهَا كَذَلِكَ، وَتَقْبِيحِهَا وَالْهُرُوبِ عَنْهَا وَعَمَّنِ اتَّسَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَوَقُّفٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ، فَهُوَ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ إِجْمَاعٌ ثَابِتٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَيْسَتْ بِحَقٍّ، بَلْ هِيَ مِنَ الْبَاطِلِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ مُتَعَقِّلَ الْبِدْعَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مُضَادَّةِ الشَّارِعِ وَاطِّرَاحِ الشَّرْعِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يُمْدَحُ وَمِنْهُ مَا يُذَمُّ، إِذْ لَا يَصِحُّ فِي مَعْقُولٍ وَلَا مَنْقُولٍ اسْتِحْسَانُ مُشَاقَّةِ الشَّارِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي.
وَأَيْضًا; فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ جَاءَ فِي النَّقْلِ اسْتِحْسَانُ بَعْضِ الْبِدَعِ أَوِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِهَا عَنِ الذَّمِّ، لَمْ يُتَصَوَّرْ; لِأَنَّ الْبِدْعَةَ طَرِيقَةٌ تُضَاهِي الْمَشْرُوعَةَ; مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ.
1 / 188