الاعتصام
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
پژوهشگر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
محل انتشار
السعودية
وَلَمْ يَكُنْ حَاكِمًا بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ; إِلَّا وَقَدْ جَاءَهُمْ بِمَا يَنْتَظِمُ بِهِ شَمْلُهُمْ، وَتَجْتَمِعُ بِهِ كَلِمَتُهُمْ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا اخْتَلَفُوا، وَهُوَ مَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالصَّلَاحِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَيَدْرَأُ عَنْهُمُ الْفَسَادَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَانْخَفَضَتِ الْأَدْيَانُ وَالدِّمَاءُ وَالْعَقْلُ وَالْأَنْسَابُ وَالْأَمْوَالُ، مِنْ طُرُقٍ يَعْرِفُ مَآخِذَهَا الْعُلَمَاءُ، وَذَلِكَ [مِنَ] الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَوْلًا وَعَمَلًا وَإِقْرَارًا، وَلَمْ يُرَدُّوا إِلَى تَدْبِيرِ أَنْفُسِهِمْ; لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَقِلُّونَ بِدَرْكِ مَصَالِحِهِمْ وَلَا تَدْبِيرِ أَنْفُسِهِمْ.
فَإِذَا تَرَكَ الْمُبْتَدِعُ هَذِهِ الْهِبَاتِ الْعَظِيمَةَ وَالْعَطَايَا الْجَزِيلَةَ، وَأَخَذَ فِي اسْتِصْلَاحِ نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَاهُ بِنَفْسِهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلِ الشَّرْعُ عَلَيْهِ دَلِيلًا، فَكَيْفَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ وَالدُّخُولِ تَحْتَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ؟ وَقَدْ حَلَّ يَدَهُ مِنْ حَبْلِ الْعِصْمَةِ إِلَى تَدْبِيرِ نَفْسِهِ، فَهُوَ حَقِيقٌ بِالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢]، فَأَشْعُرُ أَنَّ الِاعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللَّهِ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ تَفْرِقَةٌ، لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وَالْفُرْقَةُ مِنْ أَخَسِّ أَوْصَافِ الْمُبْتَدِعَةِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَبَايَنَ جَمَاعَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ حَبْلَ اللَّهِ الْجَمَاعَةُ.
وَعَنْ قَتَادَةَ: " حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ: هَذَا الْقُرْآنُ وَسُنَنُهُ، وَعَهْدُهُ إِلَى عِبَادِهِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْتَصَمَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَالثِّقَةُ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِهِ وَيَعْتَصِمُوا
1 / 150